"اسِف مكنش قصدي - اسِف لم أكن أقصد – المعذرة لم أكن متعمداً – سامحني غصباً عني" عبارات متعددة بألفاظ مختلفة ومضمون واحد.
كثيراً ما أصابتني تلك العبارات بحالة من الانفعال والثورة على قائلها ، وكثيراً ما نهرت أبنائي عند سماع أحدهم يردد مثل هذه العبارات.
وفي الحقيقة فإن سر انفعالي وثورتي هو كون العديد من الأخطاء والمخالفات ترتكب تحت ستار هذه المقولات التي تكسب صاحبها حاجزاً نفسياً يحميه من الشعور بالذنب في حالة ارتكابه للخطأ تحت مظلة عدم مسؤوليته عن الفعل طالما كان غير متعمداً له. في حين أن الدين والعقل والمنطق لم يجعلوا عدم التعمد مسوغاً لارتكاب الأخطاء ، أو دافعاً للتسامح والعفو عمن ارتكبها. كما أن مثل هذه المقولات كانت وما زالت دافعاً لاستمرار التكاسل والجهل وعدم المبالاة.
وعندما كنت أعنّف أبنائي عند سماعهم يرددون هذه العبارات كنت أقول لهم "لا ترددوا هذه العبارات ، ومن يتلفظ منكم بمثل هذا القول فسيناله عقاب مضاعف ، لأن معظم الأخطاء تقع أساساً ضمن هذا الإطار ، وأنتم يجب أن تظل أخطائكم دائماً في إطار عدم التعمد ، لأن التعمد في فعل الخطأ لا يقوم به إلا المفسد أو المجنون ، وما دام الله قد أنعم عليكم بنعمة العقل فإني أعوذ به أن تكونوا من المفسدين ، وأنا أعلم بفضله وكرمه أنكم لستم كذلك. ولذا عند ارتكابكم للخطأ فلا ترددوا مثل هذه العبارات الجوفاء، لأني أعلم ابتداءاً أنه ليس عن عمد منكم ، ولكن بادروا بالاعتذار عن الخطأ بشجاعة ، وقوموا بتحديد الأسباب التي أدت إلى وقوع هذا الخطأ للعمل على تلافيها مستقبلاً ، وقدموا التعهد الصادق ببذل الجهد لعدم تكرار ذلك مجدداً" .
وبصعوبة شديدة ، وبعد محاولات عديدة بدأ الصغار يدركون معنى ذلك ويتوقفون عن هذا القول ، وأقول بصعوبة شديدة لأنهم مازالوا يستمعون لهذه العبارات من جميع من حولهم ، وهذا ما قد يجعل تأثيرك يتضاءل ، فأنت لست المصدر الوحيد للتأثير.
ولعل قائل يقول كيف هذا ؟!! وقد تجاوز الله عن الخطأ والنسيان والإكراه ، والخطأ هنا يعني عدم التعمد . وأقول مستعيناً بالله أن ذلك واقع في جانب العلاقات التعبدية في إطار علاقة العبد وربه ، أما في إطار العلاقات بين الناس فلا محل لذلك ، ولا يٌعفي حسن النية وعدم التعمد من مغبة الخطأ وعواقبه المترتبة عليه.
والأمثلة في ذلك كثيرة ، وما عقوبة القتل الخطأ إلا أحد هذه النماذج القرأنية التي أقرت بوقوع الفعل عن خطأ من غير تعمد ، ومع ذلك لم تعفي صاحبه من العقوبة.
فالإسلام خاصة ، والشرائع عامة ما كانت لتبيح ارتكاب الاخطاء والإضرار بمصالح الأخرين تحت دعاوى وستار عدم التعمد أو حسن النوايا أو الجهل بالأمر أو عدم المبالاة.
وأنا هنا لست ضد التسامح والعفو فهما من مكارم الأخلاق ، ولكني ضد تشجيع مثل هذه الأقوال والعبارات الهدامة والدعاوى الباطلة التي تعمل على نشر فكر التواكل والكسل والجهل مما يلحق الأذى بالأفراد والمجتمعات على حد سواء ، ويشكل عائقاً في طريق التقدم والرقي.
-
D. Ahmed Hassanienخبير إدارة المشروعات واستشاري الادارة الاستراتيجية ،باحث في مجال العلوم الإدارية والتنمية البشرية ،كاتب ومفكر استراتيجي ، له العديد من المقالات والمؤلفات .