ضائعٌ بين أقرانه الجزء الثّاني (8)
نشر في 30 نونبر -0001 وآخر تعديل بتاريخ 12 يوليوز 2024 .
في طريق العودة إلى الفندق، تهتُ كما يتوه الحمل الوديع في الشّعاب، فاستوقفني شخص أربعيني، وسألني عن مكان لا يليق ذكره، ولأنّني ورّطتُ نفسي وادّعيتُ معرفة المدينة، فلم أجد حيلة للتملّص منه وطلبتُ منه أن يتبعني.
فرح ابن مدينة ”نيس“ كثيرا، وأبدى تفاؤلا كبيرا، ولم يكن يعلم أن فرحته لن تدوم طويلا؛ فقد خاب ظنّه حين أوصلته إلى باب مسدود. ونظر إلي بشزر، وقال لي معاتبا ولم يخفِ تبرّمه الشديد مني: ولكن يا صديقي هذا المكان ليس هو الذي طلبتُ منك أن ترشدني إليه؟ ودخلتُ معه في سجال؛ و ”سلّك با بوسلاّك“.
أدركتُ أنّني تأخّرتُ كثيرا، وكان لزاما عليّ أن أعود إلى الفندق وفي أقرب وقت ممكن، حتى لا أتسبّب في غضب والدي. ورجعتُ على أثري كي لا أفقد الطّريق، ولكنّني، ومع هذا الحرص الشديد على عدم تضييع الوقت والطّريق، فقد تهتُ في أرجاء المدينة الكبيرة وشوارعها الواسعة؛ في ثاني أكبر المدن الفرنسية بعد ”باريس“.
كان حريّا بي أن أطلب المساعدة من شخص ما، لكنّني لم أفعل. ووجدتُموني تائها في إحدى الضّواحي المتطرّفة، بسبب هذا التعنّت. وتماهيتُ، وواصلتُ المشوار إلى الأمام؛ و”زيد القدّام يا بوعلام“.
وفجأة أحسستُ بيد تربتُ على كتفي؟
ألتفتُّ إلى ”صاحبي“ فإذا أنا أمام شخص لم يسبق لي أن رأيته من قبل، ويبدو من خلال ابتسامته العريضة التي كشفت عن أحد أنيابه المطلية بالذّهب وأخرى بالفضّة، أنّه لابد أن يكون من إحدى النواحي المجاورة، إن لم يكن من الأقارب.
كان رفقة والدي، وتبيّن أنّه كان على موعد معه. وكيف سيكون مصيري لولاه؟
جاء في الوقت المناسب، في وقت توارى فيه القرص الأصفر خلف تلك البنايات الشاهقة، وتهيأ اللّيل ليبسط رداءه الأسود على المدينة المترامية الأطراف.
ولكنّها عناية الله بعباده التّائهين. فقد ساق لي من حيث لا أتوقّع، هذا الشخص لينبّهني من غفلتي.
يتبع..