لايكاد الإنسان يفتح عينيه في هذه الحياة الدنيا إلا ويجد نفسه محبوسا في زنزانة لا مفر منها بلا نوافذ أو أبواب إسمها الزمن .

زنزانة جهزت  علي اروع ماتكون غير أنه لا مهرب منها سوي بالاستدعاء ، انظر حولك وتأمل يا أنا، شمس وأشجار بحار وأنهار أحجار وثمار لصوص وملائكة في سماء البريق والطهر ،ثعابين جهنم تتلوي بحثا عن فريسة تلو الاخري. 

فما أشبه الانسان بكل ماسبق، وإن من القلوب من هو أشد قسوة من الحجر ولو اننا اطلعنا علي قلوب بعضنا البعض لصدقنا ذلك دون دهشة أو جدل. 

ثمة مشاعر لايملؤها غير الحب الأقرب إلي العشق ، عندما تتفرس في وجه طفل مسكين لم يصيبه من وعثاء البشر شئ قط، فكان اقرب مايكون الي  الملاك في طهره والفراشة في رقتها وورد الربيع في بهائه ونضارته والماء  في عذوبته ،ثم ترفع حاجبا وتسكن اخرا حينما تري الناس يدفع بعضها بعضا وياكل بعضها البعض گاالأسماك المفترسة غير مكترثين بما يسيريون نحوه في نهاية نفق الدنيا. 

أيها القارئ الكريم،

وأنا أمشي معك في نفق الدنيا نتأمل أحوال الناس وما صاروا إليه من عبث ولا أستثني نفسي في تلك الرحلة الطويلة الشاقة، وإذ بي يقفز الي مخيلتي شجرة خضراء علي أجمل ما تكون الاشجار فلا تكاد تري اغصانا متناسقة وأوراقا براقه نضره زاهيه، تثاقلت جمالا بثمارها  و الوانها وهندستها واقسمت انه لاجمال خلق في الاشجار كجمالها .

مكثت احدق في تلك الشجرة الباهية الجمال علي مدار عام فهالني مارأيت!  

 ابصرت اللون الاصفر يغزو الاوراق الخضراء النضرة فطمأنني عقلي ان الجمال له الوان عده وما اجمل ان تكون متقلبا بين الوان الجمال تسر العين وتروي ظمأ الروح . غير ان الامر لم يبدو كذلك ابدا، واذا بالاوراق المصفرة تؤول الي الجفاف والتيبس، فأيقنت ان الأمر قد وصل الي نهايتة ويأست من تفاؤل عقلي الخرب ومالبثت ان تساقطت الاوراق معلنة نهاية غير متوقعة للخضرة النضرة البراقة ،ونادي مناد ها قد حل الخريف وسري الموت في شباب العمر الاخضر. 

 فلمحت بشائر أوراق في مهدها تعلن كذب المنادي وأنها الحياة تولد من جديد . وسرت علي وجهي ابتسامة المتفائل من جديد غير مكترث بالموت الذي رأيته منذ قليل. 

وصحوت من غفوه مخيلتي علي اسقاط التشبيه علي الانسان،

فانه كالشجرة يمر بالفصول وتتلون حياته وتتقلب،فيثمر وتطيب  ثماره  وتأنس بالربيع ونسائمه الفاتنه  ثم ما تلبث أن تساقطت الاوراق معلنه الموت .

وبعد قدر معدود تسقط الشجرة نفسها معلنه الرحيل الابدي لشخصهاتاركه خلفها بذورا صارت اشجارة مماثلة لها في كل شئ فسبحت بحمدالله في نفسي وشهقت وزفرت واغرورقت عيناي بالدموع ونظرت الي السماء وقلت في نفسي  كفاني عبثا في اوراق العمر الا فاستقيمي يا نفسي قبل الرحيل.