ظهرت تغيرات للتواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة؛ ولعل أبرزها هوس تصوير الطعام على برامج التواصل الاجتماعي (الإنستقرام، السناب شات) قبل تناوله، حيث أصبح التصوير أسهل في الانتشار بين الجنسين وبين مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية في شتي ارجاء العالم حتى وصلت للوطن العربي.

فاليوم أصبح هناك إضافة على مائدة الطعام، فاجتماع الأسرة بالأمس لأجل الاستمتاع بالطعام فقط، أصبح اليوم تصوير الطعام هو اول ما يستفتح به الاكل، بل قد تصل الجرأة للمصور ان يوقف الاخرين المشاركين على نفس المائدة حتى ينتهي من تصوير الاكل بغض النظر عن فارق السن.

وقد اختلفت وجهات النظر بين من يرى انها من باب شكر الله على النعم، كما قال تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) (الضحى:١١)، ومن يرى انها وسيلة للتعبير عن موهبة التصوير او طريقة التنظيم. وبخلاف ذلك من يرى بانها تصرفات غير عقلانية وأنها بوابه للإسراف والمباهاة وكسر لقلوب الفقراء، وضغط على موارد الاسرة لتوفير الكماليات اللازمة حتى تظهر الصور بشكل أكثر جاذبية.

إن " الثقافة الاستهلاكية الترفيه ". وطبقا لمفهوم علم الاجتماع الاقتصادي تعني مجمل التصرفات والسلوكيات والعادات والممارسات التي تدفع بالفرد إلى الإنفاق العشوائي بصورة خارجة عن قواعد الضبط الديني والاجتماعي والقيمي، تتخطى معها حدود الإمكانيات المادية، وبالتالي يولد نمطا اقتصاديا يعرضه لمخاطر كثيرة. (١) إن تحول الطعام من وظيفة اشباع حاجات المستهلك الأساسية الى ترفي وتحديد مكانة وتقليد العقلية الاستهلاكية الترفيه وسلوكياتها هي السمة الطاغية على السلوك الاستهلاكي بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بل ان النزعة الاستهلاكية وصلت لذوي الدخل المحدود.

أما (ثورشتان فيبلن) فقد أبرز هو الآخر دور العوامل الاجتماعية في تحديد نمط الاستهلاك،" وذهب الى أن ثمة مجموعة من العوامل التي تكمن وراء الحاجات الفردية والتي تحدد طبيعة الطلب ". فالأغنياء يحددون إنفاقهم بشكل يضفي عليهم ما يتفوقون به على بقية الطبقات من مظاهر ورموز المكانة الاجتماعية. (٢)

فهم بذلك يخلقون نوعا من المجتمع بطريقة جديدة كلية. لكن كيف يشعر الآخرون بشأن ظاهرة تصوير الطعام التي يبدوا انها تحل أينما كانوا؟ اظهر استطلاع مؤسسة (يوجوف) ان الرأي منقسم بشأن اتجاه تصوير الطعام. فقال نحو (٤٣) بالمئة انهم يجدون ان الصور ملهمة، أما (٤٠) بالمئة فقالوا إن الاتجاه عادة ما يثير ضجرهم. (٣)

وقد قام باحثين من جامعتي "هارفارد" و"مينيسوتا" الأمريكيتين، بدارسة تأثير صور اللحوم المقلية ومختلف أنواع السلطات على مرسل هذه الصور. وكشفت الدراسة أن تصوير الأطعمة قبل تناولها، وهو ما تحول إلى شبه طقس يمارسه كثيرون يوميا، يمنح هؤلاء الشعور بأن طعم الطبق المفضل يصبح مركزا أكثر مما يجعله ألذ. (٤)

كما ويرى أخصائيون علم النفس أن المباهاة والاستعراض بات بحد ذاته غاية للأشخاص الذين لديهم فراغ وليس لديهم حالة من الانشغال الذاتي. (٥)

فهل تتحول في المستقبل الى عادة يلزم بها افراد المجتمع، ويتعرض للاستهجان من يرفض ذلك ام انها عابره وستزول مع الوقت؟

إن التصوير لغرض نفع الاخرين كالإدلال على طعام معين امر رائع، اما إذا كان لغرض المباهاة والإسراف فإن تبنى ثقافة الادخار وترشيد ثقافة الاستهلاك عادة ما تعود بالنفع على المستهلك.

اعداد / حنان بن حاضر

المراجع:

١- حمى "النزعة الاستهلاكية الترفيه" في نسيجنا المجتمعي طالت حتى ذوي الدخل المحدود.!! (١٧ مارس٢٠١٥) صحيفة الجزيرة. تم الاسترجاع من

http://www.al-jazirah.com/2015/20150317/rv3.htm

٢-بالحاج، مفتاح علي حسين (د.ت) نمط الاستهلاك الأسري بين المظهري (التفاخري/الاعتيادي) في ظل المتغيرات المجتمعية. مجلة كلية الآداب. العدد الثامن. ص١٦٥. تم الاسترجاع من

https://misuratau.edu.ly/journal/arts/upload/file/R-93-8.pdf

٣-ظاهرة التقاط صور للطعام ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي...ما سببها؟ (١٢مايو ٢٠١٧) صحيفة الوسط. تم الاسترجاع من

http://www.alwasatnews.com/news/1154902.html

٤- ظاهرة تصوير الطعام قبل الأكل هل تحولت لعادة أم لهوس مجتمعي؟ (٣١ مارس ،٢٠١٨) صحيفة هتون الالكترونية. تم الاسترجاع من

https://www.alhtoon.com/25807/

٥-هوس تصوير الطعام قبل تناوله.. مباهاة ام فراغ؟ (٢٤سبتمبر٢٠١٦م) صحيفة الأيام البحرينية.

تم الاسترجاع من

https://www.alayam.com/online/Around-the-world/604658/News.html