حمام ماء بارد في يوم خريفي سماؤه ملبدة بالغيوم كيف يحس صاحبه ؟ طبعا إحساسه لن يفوق إحساس متابعي قضية الصحفي جمال خاشقجي بعد سماع خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقد أصيب الكثيرون بخيبة أمل كبيرة لأنهم كانوا يعلقون آمالا عظيمة على هذا الخطاب لكشف الحقيقة الكاملة و كشف خفايا القضية وما سيترتب عنها من ردود أفعال و إجراءات لكن هيهات تمخض الجبل فأنجب فأرا لقد كان خطابا باهتا خاليا من كل جديد لم يشف العليل و لن يثلج الصدور لقد غلبت عليه المصلحة فكان خطابا براغماتيا خلّف عديد الأسئلة في أذهان السامعين عوضا عن أجوبة كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر لقد قال لي صديقي مازحا : " لم أنم ليلة البارحة و أنا أنتظر خطاب أردوغان لأعرف حقيقة ما حصل مع خاشقجي و أرى كيف سيكون حال محمد بن سلمان بعد هذا الخطاب لكن للأسف صدمت بعد ما استمعت و تيقنت أن الأموال السعودية من شأنها أن تسكت و تكمم الأفواه مهما كان صاحبها و أيًّا كانت القضية و ختم كلامه بقوله:" خرّف {أي احكي لي حكاية خرافية} يلي تخرّف الراجل مات و راح و أحنا قاعدين نبربشوا كيف الدجاج على شكون قتلوا تي ماهم يقتلوا القتيل و يمشوا في جنازتو و مايفيق بهم حد ".

بالفعل كان خطاب أردوغان صادما فهو الذي قال أنه سيكشف الحقيقة كاملة و لن يخاف في الله لومة لائم لكنه تراجع بعد ذلك عن ذكر الحقيقة لأسباب و ضغوطات إقليمية و دولية فالاقتصاد التركي مرتبط بشكل من الأشكال بالسعودية و الاقتصاد العالمي مرتبطة بالمال و النفط السعودي و ذكر الحقيقة و الكشف عن ملابسات العملية من شأنه أن يزعزع الاقتصاد العالمي و يفسد عديد الصفقات و الاستثمارات التي للمملكة يد فيها لذلك فضّل أردوغان عدم البوح بالأسرار التي بجعبته و ترك الأمر بيدي الأمن و القضاء التركي حتى يتنصّل من المسؤولية و يبقى على علاقاته النفعية مع النظام السعودي فالمال يعمي الأبصار و يكمم الأفواه و يطمس الحقائق حتى و إن كانت جليّة أمام أنظار الجميع .

من الواضح أن أردوغان اجتمع مع أعضاء حزبه و مستشاريه قبل الخطاب و كذلك تلقى مكالمات هاتفية من زعماء بارزين في العالم حتى يخرج لنا بذلك الخطاب الباهت المفصل على مقاس الدبلوماسية العالمية و العلاقات الإستراتيجية.

أنا أعتقد أن لترامب باعا و ذراعا في تغيير مسار خطاب أردوغان في ما يخص قضية خاشقجي لأن كشف الحقيقة و فضح المستور سيؤثر سلبا على صفقات السلاح الأمريكية السعودية و أسعار النفط لذلك وقع الضغط على أردوغان محليا و عالميا حتى يكتم السر و يكتفي بخطاب باهت لا يرتقي إلى تطلعات الرأي العام الدولي و بذلك تبقى قضية خاشقجي محل متابعة ما لم تظهر الحقيقة الكاملة و يقع محاكمة القتلة المارقين والواقفين وراء العملية من بعيد أو قريب مهما كان حجمهم الاجتماعي.