إن نفسك التي تسمع همس الأزهار وأغاني السكينة تستطيع أن تسمع صراخ روحي وضجيج قلبي.
المرء إن لم تحبل به الكآبة و يتمخض به اليأس و تضعه المحبة في مهد الأحلام تظل حياته كصفحةٍ خالية بيضاء في كتاب الكيان.
من لا يشاهد الملائكة و الشياطين في محاسن الحياة و مكروهاتها يظل قلبه بعيدا عن المعرفة و نفسه فارغة من العواطف.
حينما تتوق إلى نعمة لا تعرف لها اسما ,وحينما تحزن دون أن تدري لذللك سببا , فأنت في الحق تنمو مع كل ما ينمو ترتفع إلى ذاتك الكبرى.
إن النفس الحزينة المتألمة تجد راحة بانضمامها إلى نفس أخرى تماثلها بالشعور وتشاركها بالإحساس مثلما يستأنس الغريب بالغريب في أرض بعيدة عن وطنهما... فالقلوب التي تدنيها أوجاع الكآبة بعضها من بعض لا تفرقها بهجة الأفراح وبهرجتها.
رابطة الحزن أقوى في النفوس من روابط الغبطة والسرور. والحب الذي تغسله العيون بدموعها يظلّ طاهراً وجميلاً وخالداً.
إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة " الأم " ، وأجمل مناداة هي : يا أمـــــيّ.
كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحبّ والانعطاف وكل ما في القلب البشري من الرّقة والحلاوة والعذوبة.
الأم هي كل ّ شيء في هذه الحياة ، هي التعزية في الحزن ...، والرجاء في اليأس ،والقوة في الضعف ، هي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران ، فالذي يفقد أمه يفقد صدرا ً يسند إليه رأسه ويدا ً تباركه وعينا ً تحرسه.
كلّ شيء في الطبيعة يرمز ويتكلمّ عن الأمومة ، فالشمس هي أم هذه الأرض ترضعها حرارتها وتحضنها بنورها ولا تغادرها عند المساء إلا بعد أن تنومها على نغمة أمواج البحر وترنيمة العصافير والسواقي.
وهذه الأرض هي أم ٌ للأشجار والأزهار تلدها وترضعها ثم تفطمها و الأشجار والأزهار تصير بذورها أمهات حنونات للأثمار الشهيّة والبزور الحيّة وأم كلّ شيء في الكيان هي الروح.
إن لفظة الأم تختبئ في قلوبنا مثلما تختبئ النواة في قلب الأرض ، وتنبثق من بين شفاهنا في ساعات ِ الحزن ِ والفرح كما يتصاعد العطر من قلب الوردة في الفضاء الصافي والممطر