حب القراءة خصلة يتمتع بها بعض الناس و يتمناها بعض الناس و يتظاهر بها بعض الناس. أما أنا فمن الصنف الثاني. قد كنت أحب القراءة لما كنت طفلا، و لكن الطفل مات و مات معه حب القراءة إلا قليلا.
عندما كنت طفلا كنت قد أقرأ أي شيء تقع عليه يداي. يكفي أن يكون في مستوى ملائم لطفل. أما الآن فإني لا أستطيع أن أكمل صفحة أو صفحتين من كتاب إلا بشق الأنفس أو إذا كان المكتوب مفيدا إفادة عملية آنية أو ممتعا متعة لحظية ككتاب البخلاء للجاحظ، و أخبار الحمقى و المغفلين لابن الجوزي.
أما الروايات فتنفر نفسي منها نفورا كبيرا لأنني أحس أن الكاتب يخدعني، فإنما هي قصص و مشاهد يتخيلها بعقله و يسردها لنا في روايته. و أحيانا يكون مستوى الكاتب ليس بذاك فتكون الحبكة ليست بتلك فأحس بملل شديد فتأخذني السنة و السنتان في الصفحة الواحدة و يداهمني نوم عميق حتى لو كانت قصة رعب و جن و عفاريت.
و أما كتب التنمية البشرية فمنها من يتألق في الإملال. و كثير منها لا يبيعك إلا الوهم و لا يقدم لك خطوات عملية دقيقة واضحة لتحقيق هدفك بل يغرقك بالعموميات من قبيل أن تكون إيجابيا و تجد نفسك قد خرجت من بعض هذه الكتب صفر اليدين خالي الذهن إلا من بعض العلم الذي لا ينفع.
و أما كتب المال و الثروة فهي رغم جاذبيتها لكون المال محبوبا عند الإنسان بفطرته. فهي لن تمكنك وحدها من أن تكون ثريا. فلو كانت قراءة كتاب الأب الغني و الأب الفقير لروبرت كايوساكي كافية لتصير ميليونيرا بالدولار لصار الأثرياء بالملايين و لما بقي للفقر مكان. و إني لأرى أن الفقراء لو اندثروا من على وجه البسيطة لاختفى معهم الأثرياء أيضا. لأن كمية المال على وجه الأرض اليوم محدودة و عدد البشر بالملايير. و لو قسم المال عليهم بالسوية لصار الجميع أقرب للطبقة الوسطى منهم إلى الثراء. و ما كان لصاحب ملايير أن يكون كذلك لولا جيش من الفقراء يعملون لصالحه مقابل رواتب يسيرة يرون فيها الأمان و الاستقرار و يرى فيها الثري طوقا يستعبدهم به.
و أما الكتاب الذي أنصح بقراءته مرارا و تكرارا لكون الاستفادة منه لا تنتهي فهو القرآن الكريم كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. و لمن تلاه بكل حرف حسنة، ولمن قرأه بالتعتعة أجران، ومن كان ماهرا به فهو مع السفرة الكرام البررة.
-
ياسين اشبانعبد من عباد الله و رجل من المسلمين