عندما أتأمل فيك ، أفهم كل شيء ، صمت جدرانك الطينية التي تفوح برائحة لم ينساها ذلك العجوز الذي باشر المئة من عمره ، وأدرك حركات نخيلك الباسقات ومدى عمق مياهك التي شهدت عقودا طويلة المدى ، أفهم هدوء المسنين و إنتظارهم لآذان صلاة العصر ، ضجيج الأطفال ، أصوات الأغنام والدجاج وكدى العصافير ، أتجول في أزقتك و أرى البساطة في تفاصيلك الصغيرة .
فهذا الشيخ الجميلة تجاعيده يحكي سنين مديدة من التعب و الشقاء ، يستمد قوته من عطاء الأرض و كرم السماء ، كفاحه من إبتسامة أحفاده ، يحكي عن النخلة و ثمارها التي نمت خلالها أجيالا و أجيال، عن عيون الماء التي تغنت لأجلها الحياة ، عن جبروت الجبال الحافظة لأراضي هذه الواحة البهيجة ، كما يترجم صمته الهواء الصباحي العليل الذي يتنغم كحروف موسيقية بالقرب من وجنتيه العجوزتين ، أما هذه الطفلة الصغيرة تروي تراتيل وجهها الوردي البشوش براءة وفرحة كل أطفال الواحة,عيناها السمراوين تبتهج في وجه الحياة الرائعة ، تنتظر رؤية حملها الجميل لتقبله قبلة صباحية مليئة بالأمل والعشق العفوي البريء .
بحلة أخرى يستيقظ فلاح سيد الأسياد فجر كل يوم للقيام بأعمال أحبها أكثر مما إعتاد عليها ، يطعم أنعامه بكل حب ويباشر عمله دون أن ينسى صلة الفجر التي تفتح له أبواب فؤاده وترزقه بقدر إلحاحه على الحفاظ عليها، يعيش اليوم بيومه والساعة بوقتها ،يعشق كل العشق تفاصيل الطبيعة ، لا يبخل على نفسه برؤية سحرها كل لحظة ، ماؤها ، جبالها ، نخيلها ،أنعامها ، ولا تخلو أوقاته عن ذكر من أوجده و أكرمه بعبارات منها : " اللهم لك الحمد كله " ، بمثل هذه العبارات يسمو .
في حن نجد سيدة البيت حضرت له فنجانا من القهوة مع حلول الفجر آملة له بيوم جميل ورزق شريف ووفير ، وتستأنف يومها بإطعام أولادها لإرسالهم إلى المدرسة ، بعدها تتفرغ لواجبات المنزل من تنظيف و إعداد وجبة الغداء .
واحة شهد الطفل والمرأة ، الرجل والعجوز بهدوئها وجمالها ، كما قال أحد الأجانب يوما : '' لم يسبق لي أن سحرت بمكان ما هكذا ، لقد رأيت البساطة و الرحمة في كل ركن من أحيائها ، لقد رأيت الحياة "
عن جوهرتي أتحدث، واحة فجيج الساحرة ، تقع في الجنوب الشرقي لبلد المغرب
مرحبا بكم لمن أراد الزيارة
بشرى أعزيوز
-
Boushra Azإسمي بشرى ، طالبة جامعية بشعبة الفيزياء ، طموحي أن يقرأ العالم بأسره كلماتي سأكون حتما سعيدة جدا بٱرائكم حول مقالاتي ، بالتوفيق لكم جميعا أحبائي