كنت صغيرة جدا حين بدأت رحلتي هذه... حيث كانت خطواتي الأولى صغيرة بحكم سني، وكانت الحلقة التي أعيش فيها لا تستدعي مني الوقوف كثيرا..

وكبرت وكبرت حلقتي وكبرت خطاي وإزداد عدد الوجوه والأقنعة في طريق سيري، مما إضطرني بين الحين والآخر إلى الوقوف في محطات السبات لأستريح من أقنعة كادت أن تضللني الطريق..

_ربما توقفت كثيرا.. ربما ضاع الكثير في محطات السبات تلك.. فلا بأس ما دمت أكمل المسير.. ما دمت قد تعلمت..

تعلمت كيف أميز بين الصدق والمجاملة الزائفة، بين من يحبني حقا ومن لا يبحث عني إلا لمنفعة شخصية.

لكني بعدت كثيرا عن نقطة البداية حيث بدأت بحثي.. ولا أعلم حقا هل أنا الآن في وسط الطريق أم إني إقتربت من نهايته، وهل النهاية ستكون بوصولي إلى ما أبحث عنه، أم بالجلوس في محطة المنتهى ولفظ آخر أنفاسي..؟

أشعر أحيانا بالندم لكوني بدأت رحلة مبهمة مليئة بأزقة مظلمة مخيفة خالية من كل وضوح، من كل أمانة..

تعبت كثيرا وأنا مرغمة على السير في تلك الأزقة، أطرق أبوابا يعتليها الغموض.. فيحويني الخوف كل مرة لا أجد فيها ما أبحث عنه، فتغمرني التساؤلات والحيرة في ما إذا كان للصدق وجود حقا!!

وحين توصلت إلى قرار الرجوع وعدم إكمال كل هذا التشعب المؤذي من الأكاذيب والمكر وسوء الظن والعلاقات المبنية على المنافع الشخصيةوأنانية لا تعرف حدا مع بعيد أو قريب، وحكم على الظواهر دون البحث عن بواطنها.. كنت قد ضللت الوجهة..!

أبواب كثيرة كادت أن تلقي بي إلى حافة الجنون.. فقررت الثبات دون أن أتخذ من الإغفاء وقوفا لي، فلم أرغب بأن أضيع المزيد من وقتي..

فساعات العمر إن كثرت في أنظار الجاهلين، فهي معدودة وتحسب دقائقها لكل باحث ودؤوب.

وصرت أفكر بمصيري وما إذا كنت سأنجوا مع كل هذا التضارب، وخفت أن تنفذ قواي داخل دوامة الخطايا هذه..

حيث إختلطت الحقائق وأصبحت القيم بالمقلوب، فبين الوجوه والقلوب فرق بعيد، وتساءلت هل أنا لوحدي أزجر كل ذلك؛ أم هناك العديد مثلي يكابدون في رحلتهم الخاصة.. وهل ستلتقي مساراتنا؟ أم سيظل كل منا أسير رحلته؟!

وظلت الإستفسارات تزداد وتحتشد.. لكني لن أسمح لها أن تصيبني بالجمود الهستيري، فقررت أن أجتاز كل الأزقة دون أن أطرق بابا لها ثانية.. فلم يعد يهمني أن أجد الصدق في أرض الواقع قدر ما يهمني ان أصل إلى بر الأمان دون أن أصاب بتلك الأمراض المنفرة.. لأعيد ترتيب كل شيء في حياتي وأجعل لها خصوصية قد لا تعجب الكثير.. وقد ينفر منها معظمهم..

_فلا يهمني.. يكفيني أن أغمض عيني كل ليلة لأجد ما كنت أبحث عنه دون نضال، دون حزن لإنكسار..

                                                        #بقلم: أسن محمد