غرباء في ليل خراسان (3) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

غرباء في ليل خراسان (3)

قصة قصيرة الجزء الثالث والأخير

  نشر في 11 ماي 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

 أعطى الزهور لهمس وقال لها: هذه الورود لكِ ولبيلارا... ونعم يا "همس" قد استعدت ذاكرتي بعد ثلاثة شهور من الحادث.

قالت له: حقاً إذاً ما اسمك ولمَ فعلوا بك ذلك؟!.

قال لها: اسمي "يامن" وما حصل معي قصة طويلة سوف أسردها لكِ في ما بعد، ثم قال: ما رأيك أن نلتقي غداً في المقهى القريب من هنا ونتحدث.

وافقت "همس" ثم أغلقت الباب.

عادت "بيلارا" إلى المنزل وقد كانت مشحونة بالحماس ثم قالت همس.. همس.. همس سوف أخبركِ شيئا.

قالت لها "همس": وأنا أيضاً سأخبرك شيء.

"بيلارا": لا لا أنا سأخبرك أولاً.

"همس": لا لا دعيني أخبرك أولاً ثم صمتت دقيقة وقالت حسناً أخبريني أنتِ أولا

"بيلارا": "أنمار".

"همس": "أنمار" طبيب الجراحة أليس كذلك.. ما به.

"بيلارا": قد طلب يدي للزواج.

"همس": حقاً يا لهذا الخبر الجميل أختي الجميلة ستصبح عروس.

"بيلارا": حسناً يا "همس" والآن دورك ماذا هناك.

"همس": اليوم رأيتُ "يامن" ذاك الشاب الذي قمنا بمعالجته.

"بيلارا": اسمه "يامن" هل أعيدت له الذاكرة.

"همس": نعم وقد قدم لنا الزهور.

"بيلارا": وما قصته، ولمَ تعرض للضرب المبرح.

"همس": سوف يخبرني بهذا غداً في المقهى.

ارتدت "همس" أجمل ثيابها ثم ذهبت إلى المقهى قبل الموعد بربع ساعة.

عندما دخلت وجدت "يامن" ينتظرها هناك، ضحكت من داخلها وشعرت بأنها ليست الوحيدة المتحمسة لهذا اللقاء

"همس": مرحبا

"يامن": أهلا بك يا "همس" تفضلي بالجلوس، حسناً ماذا ستشربين.

"همس": شراب الليمون.

"يامن": كيف حالكم في البيت.

"همس": فقدنا والدينا في حادث مؤسف في مدينة "دبي" ومنذ ذلك الوقت نعيش أنا و"بيلارا" لوحدنا، كما نحاول أن نعتاد على هذه الحياة الجديدة القاسية.

"يامن": "همس" أنا أسف رحمهم الله.

"همس": لا عليك ...أخبرني كيف أُعيدت لك الذاكرة.

"يامن": نعم يا "همس" حصل هذا بعد ثلاثة شهور من الحادثة نتيجة علاج مكثف، أما ما حدث في تلك الليلة فقد خُطفت من أمام منزلنا وقام الخاطفون بضربي بشكل مبرح ثم رموني في الشارع، وبناء على التحقيقات تم كشف الفاعلين، أنهم مُستأجرين من قبل شركاء لأبي في العمل، فقد كان بينهم مشاكل كثيرة ولكي ينتقموا من أبي قرروا فعل هذا بفلذة كبده.

"همس": يا إلهي وماذا جرى بعدها.

"يامن": لا تقلقي هم الآن جميعهم بالسجن ولولاكِ أنتِ وأختك ما كُنت الآن على قيد الحياة.

"همس": نعم ولكن عليك أيضاً شكر حارس العمارة هو الذي آتى بك إلينا.

"يامن": نعم سأفعل، هل قرأتِ النهاية المقترحة التي كتبتها لكِ في الورقة لرواية (التيه في المنطق).

"همس": نعم نعم واعتمدت عليها أيضاً، في تلك الليلة لم أتوقع أنك كنت تقرئها ظننتك نائم.

"يامن": عندما أنهيتُ علاجي قرأت جميع رواياتك يا "همس" تمتازين بحس وخيال جميل.

خجلت "همس" واحمرت وجنتيها كثيرا لأنه أثناء كلامه كان يحدق في عينيها، كما وشعرت أن هناك إعجاب متبادل بينهما.

مر عامين... وخلالهم تزوجت "بيلارا" من "أنمار" وأنجبت طفلة سمتها "أريا" على اسم والدتها ثم سافرت مع زوجها للعيش في (سمرقند).

أما "همس" في هذين العامين كطيور الحب هي و"يامن"، فقد عاشا جميع تفاصيل العاشقين، وقد عوضها "يامن" بكل لحظة فقدان مرت في حياتها، حيثُ أصبحت علاقتهم قوية جدا لن يكسرها شيء.

اتصل "يامن" بهمس في الليل:

"همس" : مرحبا.

"يامن": حبيبتي "همس" سأخبرك بشيء.

"همس": أنا أسمعك.

"يامن": عندما فاتحت أمي بموضوع الخطبة طلبت مني أن تراكِ وتتعرف عليكِ.

"همس": لا بأس يا "يامن" هل غداً مناسب.

"يامن": نعم يا عزيزتي سوف نجتمع في المقهى.

التقى "يامن" وأمه "نريمان" بهمس في الساعة السادسة مساءً، وأثناء اللقاء حدقت "نريمان" بهمس وقالت: كأني أعرفك! أليس كذلك، نظرت إليها "همس" وقالت: نعم أنتِ الدكتورة "نريمان" الأخصائية النفسية أليس كذلك، هزت "نريمان" رأسها، ثم قال "يامن": ماذا هل تعرفان بعضكم.

قالت "نريمان": نعم كانت "همس" تتعالج عندي في فترة المراهقة، ارتبكت "همس" ثم تناولت القهوة معهم ورحلت، بقيت "نريمان" و"يامن" في المقهى:

"يامن": ما بك يا أمي.

"نريمان": ليت هذا اليوم لم يأتي.

."يامن": ولكن لماذا يا أمي ألم تعجبك "همس"

"نريمان": ليس الموضوع كذلك، ولكن "همس" كانت تتعالج عندي بسبب اضطرابات عاطفية في فترة المراهقة، كانت تحب ابن عمها الذي توفي في حادثة سقوط الطائرة التي سقطت في مدينة في "أوزبكستان" واستمريت بالعلاج معها مدة عام كامل.

"يامن": ولكن يا أمي هذه أسرار مريضة سابقة لديكِ لا يتوجب عليكِ بوحها، كما أن موضوعها قديم فقد كانت "همس" صغيرة في ذلك الوقت، ولا يوجد أحد بالعالم لم يمر بتجارب سابقة، المهم الآن هو الحاضر إن "همس" تحبني كثيرا وأنا كذلك.

"نريمان": هل تظنني غبية لأدعك تتزوج منها، لن أقبل بأن تتزوج بفتاة كانت تعاني من اضطرابات عاطفية.

"يامن": ولكن يا أمي.

"نريمان": اصمت ولا تفتح هذا الموضوع أمامي بعد الآن.

"يامن": لا يا أمي لن أتخلى عن "همس" ولو وقف العالم بأكمله أمامي.

خرجت "نريمان" من المقهى غاضبة كما كادت شرايين وجهها على وشك الانفجار من الغضب، وفي تلك الليلة لم تنم طوال الليل، هي تعلم أن ابنها عنيد جداً ولن تستطيع منعه، ثم بدأت تفكر بخطة تبعد "همس" عنه.

بعد تفكير دام أسبوعين قررت "نريمان" بأن تتآمر مع مدير مشفى الأمراض العقلية، حيثُ أن علاقتها معه جيدة كما أن بينهم عمل مشترك، وقد استطاعت ببعض المال اقناعه بتزوير أوراق ومستندات تجعل من "همس" مريضة عقلية.

في لحظة قاسية وباردة استطاعوا خطف "همس" وإدخالها مشفى الأمراض العقلية، لم تستطع "همس" تصديق ما يحدث لها بدأت تصرخ على كل من تراهُ هناك قائلة: أنا لستُ مجنونة ليس بي شيء لمَ أنا هنا لمَ!!، أريد أن أتصل بيامن أو بأختي أعطوني الهاتف.

لم يستجب أحد لصراخها.

مر شهر كامل على "همس" في المشفى.

لم تجف دموعها ولا للحظة واحدة، أما "يامن" في هذه المدة اتصل على هاتفها كثيراً ولكنه مغلق كما وطرق باب منزلها أكثر ولكن لا من مجيب.

بدأت أفكاره تذهب وتأتي ثم انتبه لوجود ورقة صغيرة معلقة على الباب مكتوب عليها "لا تبحث عني يا يامن اعتبرني مُت"، وبعد قراءته لهذه الورقة نام طوال الليل على الأرض أمام منزلها يتحدث مع نفسه قائلاً: لماذا تخليتِ عني يا "همس" ماذا فعلت لك.

جاءت ممرضة جديدة إلى مشفى الأمراض العقلية وقد لمحت "همس" اقتربت منها وقالت لها: أنتِ "همس" الكاتبة الروائية أليس كذلك، ردت عليها "همس" بكل يأس نعم أنا هي ولكني لستُ مجنونة، قالت لها الممرضة: لمَ أنتِ هنا، أجابتها "همس": لا أعلم تم خطفي وإدخالي هنا لا أعلم لماذا أو من فعل هذا بي، ثم هزت الممرضة رأسها قائلة: كل المرضى هنا يقولون مثل هذا الكلام لكي يتمكنوا الهرب من هنا، قالت لها "همس" في غضب: لستُ مريضة صدقيني.

بعد سماع الممرضة لهذا الكلام دخلت أفكار شرسة إلى عقلها، حيث تخيلت "همس" عروسة لأخيها المضطرب نفسيا التي لم تقبل به أي فتاة في العالم، ثم عرضت على "همس" أن تهربها من المصح مقابل تزويجها بأخيها.

رفضت "همس" في بادئ الأمر وذلك بسبب استيلاء" يامن" على كامل قلبها، وبعد عدة أيام قليلة فكرت في نفسها أن الهروب من منزلهم سيكون أسهل بكثير من الهروب من المصح ، ثم قبلت بالعرض.

كان زوجها الجديد يضربها باستمرار ويصب سائر غضبه عليها دون أسباب، كما كان لا يسمح لها بالخروج من باب المنزل ولا رؤية أحد، والشيء الوحيد الذي سمح به هو اعطائها أوراق وأقلام للكتابة لكي تقضي على بطء الوقت، وكان المنفس الوحيد لها هو النافذة الصغيرة الموجودة في العلية، والتي كانت تتواصل من خلالها مع فتاة شقراء صغيرة.

مرت هذه الأيام على قلب "همس" كالسم، وكأنها في عالم آخر، وكأن حزن العالم اجتمع في قلبها ثم بدأت تفكر بطريقة للخروج من هذا الجحيم، والتخلص من أسرها المنزلي، فقامت بكتابة قصتها كاملة منذ لحظة

قدوم "يامن" إلى منزلها إلى لحظة دخولها المشفى وزواجها بأخي الممرضة المضطرب، حيث فكرت أنه ربما بهذه الرواية يستطيع "يامن" معرفة مكانها وقد وضعت للرواية عنوان باسم (التيه بين دهاليز الموت)، واستطاعت أن توصلها إلى دار النشر التي تتعامل معها بشكل سري بمساعدة الفتاة الصغيرة.

انتشرت الرواية بشكل واسع في "خراسان" ولكن لم ينتبه أحد أنها قصة الكاتبة الحقيقية، ثم وصلت الرواية إلى يد "يامن" وبعد قراءته الرواية علم مكان وجود "همس" واستنتج من ذلك أن أمه لها يد في ذلك.

ذهب مسرعاً إلى العنوان الذي وصفته "همس" في الكتاب وقام بإنقاذها من ذلك الرجل بمساعدة الشرطة التي أجبرت ذاك المضطرب على تطليق "همس" بعدما زجته هو وأخته بالسجن.

ثم ذهب " يامن" إلى أمه لمواجهتها بالأمر، حاولت "نريمان" الإنكار في بداية الأمر ثم رأت أن الأمور قد خرجت عن السيطرة فاعترفت بكل شيء.

بعد هذه الحادثة دخلت "همس" المشفى لتتعالج من أثار الضرب والتعنيف والانهيارات العصبية المتكررة التي كانت تصيبها في أسرها المنزلي وبعد علاجها بشكل كامل خرجت من المشفى وقد استقبلها "يامن"

بكل ذرات الحنان الموجودة في العالم، وبعد فترة قصيرة تزوج بها دون رضى أهله وسافر معها إلى "سمرقند"، وقد عاشا ببيت قريب من بيت "بيلارا".

... في النهاية قالت "همس" ليامن: هل تشعر بالغربة هنا

قال لها: الغربة هي المكان الخالي منك يا "همس".

بقلم سهام السايح

‏‎


  • 5

   نشر في 11 ماي 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

Menna Mohamed منذ 5 سنة
جميلة جدا سهام انتي كاتبة مبدعة يسعدني روءية كتابتك الجميلة دائمآ موفقة حبيبتي ❤
1
سهام السايح
ليست بجمال حروفك شكرا للطفك عزيزتي يسعدني ذلك
Menna Mohamed
هذا من ذوقك و لطفك حبيبتي ❤ الله يوفقك و يحميكي ❤
Salsabil Djaou منذ 5 سنة
قصة رائعة و أحداثها مشوقة جدا ، أبدعت صديقتي سهام .
1
سهام السايح
شكرا لتشجيعك عزيزتي سلسبيل هذا من دواعي سروري
ward ward منذ 5 سنة
غرباء في ليل خراسان من أجمل القصص التي قرأتها يا سهام فالأماكن وأسماء الأشخاص وحبكة القصة كأني أرى فيلم سينمائي ابدعتي
2
سهام السايح
نعم وأنا أيضا دخلت في هذه الأجواء أشكر مرورك اللطيف

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا