خصم هادئ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

خصم هادئ

  نشر في 18 أكتوبر 2018 .

يقول صديقي أنّنا يجب أن نتمسك بحالة صفرية. لانتوقع أي شئ، لا ننتظر شيئاً، الصفر فقط. يجب أن نتجاهل تلك الأفكار المزروعة بداخل عقولنا من قبل كائنات خرافية، مثل فكرة تقول " إنك متفرّد" وأن طريقتك في الغزل، أن طريقة تقبيلك لن تتكرر، وان أفكارك وأحلامك غير قابلين للنسخ، في إبتذال مؤلم. والفكرة الأهم "أن هناك مصدر خام للسعادة ستجده إن أجدت البحث". كل ذلك هي محض أفكار مزروعة، غير أصيلة.. يجب أن نؤمن بذلك، وحينها كل شئ سيكون على مايرام.

أستمع الى الكلام بإنتباه، ألملم شتات نفسي وأستحضر خشونة كل طريق سَلَكته وأتزود بها في باطني. نعم، أقول نعم. أنا لا أحتاج أملاً، والأهم أني لاأحتاج صوراً ولامجازات للسعادة. هناك جنوداً بداخلي يصيحون وكأنهم تلقو خطبة ملهمة للتوّ، يصيحون "الصفر..الصفر" وبعد دقائق معدودة، أتصفح الصور في الموبايل، أبحث عن شئ معين حتى أجده، أرى صورتنا سوياً، أقول "ماهذا الجمال يا ربّي! ليتك هنا"

فينهار كل شئ ويتشتت، والجنود بداخلي، وكأنهم أشتموا رائحة طبخ أمهاتهم للتو على الجبهة، فتضيع الخطبة وتذروها الرياح المحملة بالروائح، ويتشتتوا، كل واحد في طريق العودة الى البيت تاركين القائد الصفري يأمرهم بالعودة، يحدوهم الأمل والتمنّي.

عزيزتي، أشعر بخوف وحماسة، متمازجان تماما كقطعة عجين إختلطت بدَقيق من الحماسة. أمّا الخوف فهو العجين، ناعم وكثيف. أضغط عليه بقبضة عقلي لأحدّه، أضغط عليه بأفكاري بعنف، أقول لنفسي "ما يخيفك؟"  فيبرز العجين من الناحيه الأخرى بلا جدوى، ويأخذ شكل قالب روحي.

أثر ذلك الشعور على صدري، هو فراغ بارد أشعر به في داخلي، بين الضلوع، وحُرقة ضعيفة وكأنه نعنع قد صب بالداخل.

يشبه ذلك حماسي وخوفي، في آخر يوم للإمتحانات، حماس لقرب الخلاص، وفي ذات الوقت خوف من ضياع كل شئ في اللحظة الأخيرة. وكذلك إنتظارك.. إنتظار رد فعل معين منكِ.

أشعر بخجل وأنا اعترف لكِ بأني أخسر في كل الألعاب، بلاي ستيشن، دومينو، شطرنج!

حينما يقترب الإنتصار، في حالة صياح الأمل عالياً معلناً عن نفسه، حينما أضيق بالحذر والتحفّظ وألقيهم بعيداً كما رمى توم هانكس (ويلسون) في المحيط، حينها فقط يفرغ صدري، وينتشر النعنع بين الضلوع، أرتبك تماماً، وأركض وراء ويلسون معتذراً، وأخسر.

اللحظة الأخيرة، الحاسمة، احمالاّ ثقيلة علي حتى ولو كانت مباراة شطرنج، فما بالك بمباراة الغَزَل بيني وبينك، مباراة تلعبيها أنتِ بهدوء لاعب جولف. 

أستعيد الكثير ممّا دار بيننا قبل النوم كشاب مراهق، لن أخبرك ماذا بالتحديد، فهو إنكشاف لا أطيقه، ولكن مايثير دهشتي، هو أثر قبضتك على ساعدي حين أفزعك مشهد في الشارع، تتذكرين ذلك اليوم؟ على العموم، لا يوجد أسباب قوية لتتذكريه، عكس حالتي. لا أعرف تفسيراً لذلك أو حتى أستطيع الشرح جيداً، ولكني أشعر بالضبط، وتحديداً، وبدقة، موقع قبضتك على الساعد، وكأن ساعدي أحتفظ بها في ذاكرة تخصه. وكأنها أثر حرقة وشم، انظر لها قبل النوم.

لذلك كلّه أحب عملي. عملي يعتمد على الرياضيات، لاوجود للحظات حاسمة أو لحظات أخيرة، لا وجود لنبضات قلب تتسارع، ونعنع يسبح بين الضلوع.

إذا أخطات الحسابات، فأنت هالك والعكس بالعكس، هكذا ببساطة. ولذلك أنا جيد فيه. جيد فيه هو فقط..

في المصنع الذي أعمل به، قال لي زميل ذات مرة، أن الأوناش جميعاً، لها أذرع قوية في حالة إستعراض دائم، أنظر، نحن محاطون بإستعراض غريب لكمال الأجسام. للوهلة الأولى ضحكت، نظرت وتخيلت، أذرع مفتولة، عديدة، وسواعد عريضة، أذرع تسحب أشياء عملاقة من أعلى، وأذرع ترفع أشياء من أسفل. لا تشعر بشئ، دقيقة جداً، قوية جداً، لا تحترق بوشوم وهمية تقض مضاجعها بعد قبضات في لحظات فزع وعوز. ولذلك كله، أحب عملي، وأحب المصانع.


  • 2

   نشر في 18 أكتوبر 2018 .

التعليقات

حالة الصفر هي الحالة المطلوبة فانت غير مرئي فيها لانك متساوي مع الجميع لست ظاهرا ولست ادنى ، الجميع يستطيع ان يدوس عليك فانت على المستوى المطلوب ، مشكور جدا احبب المقالة .
0
لؤي أحمد
وأنا أحببت تعليقك والله

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا