صباح مشرعة أبوابه لريح الردى
فهلّا ساءلت عن حوران في طوفان الأسى؟
حِمام الموت قد أقام واستطال بأرضها
فهل أغراه طيب أهلها وصفاء المعشر؟
قد كان النور باديا في قسمات وجهها
واليوم قد تشتت، وتشرد، وتبعثر
نبأ يقين أن الدم اليوم في الأرض سيولا جرى
وعلى السنابل تفشى لونه وبحرقته القمح اكتوى
صدعٌ بالقلب نبشته أظفار المنى
ذهل الحليم عن هوله ولم يبد تجلد
الدمع كسيل مدرار قد حط من علٍ
لايرأب الدمع الحروق الصدع الذي جرى
بُنيات الفؤاد قد تقطع بالشجو الحزين وصالها
وأضنى الروح تصاريف الليالي والقضاء إذ تكلم
عبروا الندى، حثوا الخُطى، صاغوا الرؤى
والفجر في الآفاق يولد كشلالات ضحى
حملوا المناجل، عزفوا اللحون، رددوا رجع الصدى
كتبوا فرح البيادر وشوقها الصادي لأن تملأى
غرقوا في بحور الحقول لكأنها ولكأنهم وجه السنا
أمواج سنابلها مواويل حنطة بالخير تتدفق أغزر
عرق الجباه تبقيه الوجوه تاجا سرمديا مرصعا
كأكاليل أرخت قبضتها الشمس فكانت العسجد
راحوا بآفاق الدروب ينزعون الجوع من فكي الرحى
يطعمون الحُبَّ للحِبِ قبل أن يزهر وقبل أن يتبرعم
هجروا الفراش والسغب وحش نابه كاسر
إذا ماحل بالمرء غدا العمر بالذل والفقر مدقعا
في كل يوم يقبلون كف الأرض كأنها أمهم
يدعون الإله بأن يجود عليهم من فضله ويتحنن
أحد عشر كوكبا دُرّيا للسماء قد ارتقوا
قدر الكواكب أن تتجاوز الجوزاء وتَنشد العُلا
خلع لغم على قميص الطفل موتا زؤاما أحمرا
يتشمم سرادق العزاء ويحيل الحقل بلقعا أسودا
هذه الجراح في صيحة الألم قد أرخت يدا
فمحصها الدهر صقلا وعسرا وذعرا مفزعا
إن تسأل أحلامهم في قسوة الموت عن اسمها أو حالها
تجيبك أن لاتجوع ولاتعرى وتمضي عمرها برضا مؤمل
مسافرون، شدوا رحالهم إلى الشمس إلى عدن
كشموخ النخيل، لايبكي إذا تخطاه ماء الزمن
أم اليتامى، قد تفتح وردها على الرخام شقائق النعمان
سكبت في رحيق العمر لريعان الصبا وللشباب عمر ثان
حوريم، حورانو، أورانتيس، باشان، باثان وحوران
أسماء رضعت التاريخ من فجره ومن قبل أن يولد
فأطلت من كوى الغسق الوسنان نورا وضياء يتوقد
لك منا ياشامة البلدان مع كل خفقة دعوة وقبلة وطن
أن يفيض عليك السلم ياحبا لم يكف لتدوينه هذا الزمان