وحدات قياس
عن الأحلام، النجاح والفشل ...
نشر في 16 يوليوز 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
لصرخة البداية تأويلات ، إعلان هي عن أولى لحظات الوجود و استنكار مسبق ربما على حرية مضطهدة و حبال خفية تتشكل فور انفصال الحبل السري !
فما ان تستقبلك الحياة حتى تخضع لترقيم اولي ، وزنك، طولك ... سيتم توثيق تاريخ ميلادك تحت اسم في الغالب اختير ليتماشى مع تطلعات الوالدين ، اسم يتناغم مع ألقاب التمييز المجتمعي : الدكتور ،المهندس، الاستاذ ،النجم ....
من هنا ستبدأ رحلتك في الوجود ، مرفقة بأرقام و وحدات قياس تثبت مدى "نجاحك" أو "فشلك" في كل محطة من محطات الحياة .
في أولى سنواتك سيكون نجاحك رهينا بقدرتك على المشي و التكلم و الاستيعاب ... بل أنك ستكون مفخرة للوالدين إذا ما حققت هذه "الانجازات" قبل الآخرين من أقرانك !
حتى أنه خلال التجمعات العائلية، تصبح تواريخ هذه الإنجازات محلا للتباري بين الأمهات! متجاهلات أن الاختلاف و التفاوت الزمني في مراحل النمو امر طبيعي علميا.
ستكبر تدريجيا و تكبر معك وحدات القياس، و بمجرد أن تلج مقاعد الدراسة ستصبح كائنا رقميا بامتياز، ستكون بداية تشكل مفهوم النجاح و الفشل فعليا لديك .
لا أحب التعميم ، لكن الوضع الراهن و السائد يؤكد أن المشوار الدراسي تحول من مشوار تربية و تعليم إلى مضمار سباق محض ، لا يرضى فيه الا بالمركز الأول !
سباق يلبس الآباء أنفسهم فيه بدلة المدربين و يستثمرون فيه كل طاقاتهم المعنوية و المادية. و في غمرة هذا السباق غالبا ما تحصر حياتك كمتاسبق بين مقاعد المدارس الخصوصية و حصص الدروس الخصوصية ...سالبة إياك كل الخصوصية !
لا أنتقد أبدا رعاية الآباء و الأمهات لأبنائهم و حرصهم على نجاحهم في الحياة ، لكن المشكل يكمن في التحديد الخاطئ لمفهوم النجاح!
النجاح لا يقاس بالمراكز و العلامات ، النجاح لا يقاس بتفوق أبنائك عن أبناء الجيران و الأقارب ، النجاح لا يقاس بقدرة ابنك على تحقيق أحلام عجزت أنت عن تحقيقها ! النجاح هو بلوغ أهداف و أحلام شخصية، اختارها صاحبها عن حب و بملء الإرادة! و ان كان لا بد من وحدة قياس ، سأقول تأملوا العيون ، كل نجاح لا يسفر عن بريق السعادة في عيون صاحبه إنما هو نجاح مزيف و تحقيق لرغبات الآخرين فقط !
لكل الاباء و الامهات : ابناؤكم ارواح اؤتمنتم عليها ، مهمتكم رعاياها و دعمها طوال مشوار تحقيق أحلامها .حياتهم تخصهم و ليست امتدادا لحياتكم ، و لا وسيلة لتحقيق احلام فشلتم في تحقيقها ! أو لعلكم أضعتموها في غمرة انشغالكم بتحقيق أحلام غيركم !
أما ان كنتم من هواة السباق و تسلق القمم ، ربوا خيولا و وعولا، لا أطفالا !
رجاءا لا تضعوا ابناءكم على مراجيح احلامكم و تدفعوهم بكل ما أوتيتم من قوة ، فمراجيحكم قد يتصادف أن تناسب البعض، و ما أن تضعه فيها ستجده يتشبث بها، تدفعه و يدفع هو ايضا بقدميه الصغيرتين فيرتفع عاليا و ضحكاته تملؤ الفضاء.
كما قد لا تناسب مراجيحكم البعض الأخر، فتدفعونه و هو متشبث فقط حتى لا يقع و لا علامات للسعادة تبدو عليه !
بل الأدهى أنه قد يحدث أن لا يتشبث أبدا فيسقط عن مراجيح احلامكم محبطا تطلعاتكم كما أجهضتم أحلامه من قبل ...