دخلتْ الأمّ إلى المطبخ لتحضير الغذاء..قطّعتْ رأس و ذيل السّمكة ووضعتها في المقلاة.
سألتها إبنتها:
لِمَ تقطعين الذيل و الرّأس في كلّ مرّة؟
أجابت: لقد رأيتُ أمّي تفعل ذلك طوال حياتها.
فسألت الفتاة جدّتها عن السّبب..
قالتْ: لقد كنتُ أرى أختي الكبرى تفعل ذلك.
طفلة بهذه الفِطنة و الفضول لمْ يُقنعها أيّ جواب.
فاتّصلتْ بأخت جدّتها مُستفسرة .
فأجابت:
لم أكن أملك إلاّ مقلاة صغيرة آنذاك و لَمْ تكن لديّ القدرة على شراء غيرها ، فكنتُ مضطرّة لقطع الرأس و الذيل حتّى أستطيع وضعها في المقلاة التي كانت أصغر منها !!
كَم منّا مَن يعيش بأفكار و مُعتقدات و سلوكيّات تشرّبها منذ الصّغر ..دون ان يسأل عن السّبب..
و كأنّه حاسوب يُنفّد البرامج الموجودة بداخله..دون تفكير او تساؤل أو وقفة تأمّل مع النّفس!!
مِلفّاتنا عند الولادة تكون فارغة فتبدأ الأيادي التي مِن حولنا مَلْأها بأفكارها و مُعتقداتها ..هي.
هذا ما يُعزّز قول الحبيب عليه السلام عندما قال:
"يولد المولود على الفطرة فوالديه هما اللذان يهوّدانه أو يُنصّرانه او يُمجّسانه"
قبل سنّ السّابعة يكون الطفل كالإسفنجة يتشرّب كلّ ما يرى و يسمع و يُقال له لأنه لا يُدرك و لا يعي بعقله الصّغير الحياة من حوله، و يحسبه الشّيئ الأمثل ..كيف لا ووالديه بالنّسبة له هما المثل الأعلى، لا يفهم المسكين بأنّ والديه أيضا يمكن أن يحملا الكثير من العقد النّفسيّة و عدم الفهم و الوعي
لا يفهم بأنّهما يحملان حقائب من الماضي و لم يُغيّرا فيها شيئا..
لا يفهم بأنهما كانا صغيرين و بُرمجا هما أيضا..
الطّفل الإسفنجة سيتشرّب تعاملات الوالدين بالعقل اللاّواعي و سيستمرّ معه إلى الكِبر..
سيُسجّل كيف يتعامل الوالدان مع بعضهما..مع أنفسهما..مع الناس ..مع الأحداث الحزينة و المُفرحة..مع الله..
كلّ هذا سيُسجّله دون وعي منه..
و سيُصدّق كلّ كلمة تُقال له..
ذكيّ أو غبيّ..ضعيف او قويّ..جميل او قبيح..شجاع او جبان..عدّد و لا حرج..
و سيحمل كلّ هذا في نفسه و يخرج به إلى العالم الخارجيّ !! و سيتعامل معه بالمُعطيات التي نُقشتْ في صدره منذ الصّغر حتّى و لو كان في الأربعين..
إلاّ إذا تدارك الأمر و فهم بأنّه ليس الحيوان الذي كان يُنعت به عندما كان طفلا و ليس الضعيف و لا الغبيّ..
بل هو إنسان يحمل النّفخة الإلهيّة بداخله..إنسان مُكرّم مِن قِبل خالقه..
و هو هنا لرسالة خُلق من أجلها ،و حان الوقت ليتخلّى عن كلّ ما قيل له من أشياء سلبيّة في الطفولة ..
آن الأوان ليبحث عن الكنز المفقود بداخله..