مُترجم: السينما في عصر الميديا الجديدة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مُترجم: السينما في عصر الميديا الجديدة

( الجزء الأول )

  نشر في 30 أبريل 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

ربّما سيُولَد جيل تغزو التكنولوجيا حياته بعد جيلين أو أكثر، هذا أمرٌ يشبه اليقين وقد بتنا نرى إرهاصاته اليوم. نقصد بالغزو أن تشمل التقنية مختلف نواحي الحياة من مظاهرها البسيطة كالاستيقاظ باكرًا على رنّة المُنبّه الرقمي إلى أعقد الأفكار والطروحات التقنية التي تنطوي على إشكال فلسفي وأخلاقي، من مِثَالها؛ حقن شريحة أو شرائح إلكترونية في جسم الإنسان، وزرع أعضاء اصطناعية متطورة، وتحسين كفاءة العمل والذكاء بمساعدة رقائق إلكترونية وآلات رقمية متطورة، هذا الغزو يشترط -دونما شك- انقراض الأجيال الأميَّة وميلاد أجيال قارئة، لا يهم كثيرًا إن كانت مثقفة، المهم أن تمتلك معرفة صلبة في مبادئ التقنية الرقمية ومُلِمَّة بأساسيات لغات البرمجة التي ستصبح -يقينًا- لغة مَدرسيّة إلزامية في قادم الأعوام. نتصور أيضًا أن يصاحب هذا التطور تضاؤلٌ تدريجيٌّ في مُعدل الولادات في العالم بأسره، الأمر الذي سيعزز الارتماء في أحضان الأفكار التقنية «الغريبة» ويمنحها صفة الاستعجال والضرورة في غياب فائض اليد العاملة الرخيصة... عصر ما بعد التكنولوجيا يبشِّر -إن جاز لنا أن نقول- بإنسانٍ فائقٍ -حتى لا نقول متفوق-، بإنسان يقظ وذكي تقنيًا والأهم أن جزءًا أو أجزاءً من وظائف جسمه الحيوية تعتمد في عملها وكفاءتها على أعقد المبتكرات التقنية... مثل هذه الأفكار تبدو سُريالية متى فكَّرنا فيها بمنطق عصرنا، ولربما ورد بعضها أو كلها في أفلام ومسلسلات الخيال العلمي على غرار مسلسل (Black Mirror 2011) للمُخرج تشارلي بروكر، ومسلسل (Westoworld 2016) من إخراج جوناثان نولان وليزا جوي.. فضلاً عن ثلاثية (The matrix 1999,2003) ذائعة الصيت، واللائحة مفتوحة. الحقبة الآتية -وإن بدت بعيدة- سيكون فيها مَعيش الإنسان مُعتمِدًا على نحو مُفرط على التقنية الرقمية ومنتجاتها، لنا أن نتصور مثلًا تضاؤل نسبة الأكسجين في الجو مستقبلًا، وما يُحتمهُ ذلك من لجوء إلى استخدام تنفس اصطناعي على مدار اليوم أو مكيِّفات تبريد تشتغل طول الوقت بسبب تغيُّر المناخ، أو تناول أغذية ولحوم مصنوعة مُختبريًّا، بالاعتماد على خلايا الحيوانات (قبل أسابيع سمحت سنغافورة بتسويق لحوم من هذا النوع)، وتبعًا لذلك يتبلبل مفهوم الهوية، وتتشظى ماهية الإنسان، الكائن البيولوجي المحكوم بقواعد الطبيعة وقوانين الفيزياء شأنهُ شأن باقي الكائنات الحية، ثم يبدأ التفكير في إعادة تعريف ومَفْهَمَة مدلول مُفردة «إنسان» في ضوء زلزال التكنولوجيا والرّقمنة وما بعدهما، هذا بالضبط ما يحدث اليوم في عالم الوسائط المتعددة، ونخصُّ بالذكر الوسيط السينمائي الذي ما لبث يتلقى صفعة تلو أخرى بفعل ما أحدثه الثورة التكنولوجية في صناعة السينما، وفي تلقي المُنتج واستهلاكه. منصات رقمية مُنمقة في الشبكة العنكبوتية توفر للمستخدمين بنقرة زر واحدة أطنان، لِنَقُل تيرابايت، من المحتوى الفيلمي الكلاسيكي منه والحديث، استخدام مفرط للمؤثرات البصرية والصور ذات المنشأ الرقمي (CGI)، وبموجب هذا التحول ارتبك التفكير في السينما تاريخًا ونظريةً وتبلبل المنظور العتيق إليها بوصفها مكانًا، مفهومًا، صناعةً، طقسًا، أو ارتباطًا نوسطالجيًّا بتقاليد فرجوية عريقة تجد أصلها في ممارسات السينيفيليا في خمسينيات القرن الماضي، يتبع هذا التحول العنيف والمتواتر بروز حاجة مُلحة إلى تجديد أدوات القراءة النقدية للأفلام وترميمها في ضوء مفاهيم تقنية/رقمية فرضت نفسها بمنطق الأمر الواقع. إن الإلمام بالمفاهيم التقنية للوسائط الجديدة في تصورنا بات ضروريًّا لفهم الأعمال السينمائية وتفسيرها، ولا مناص للمشتغلين بالنقد الفيلمي من استدعائها من حين لآخر، بل تضمينها في حقائبهم الأداتيّة كعنصر جوهري يُعين النفاذ إلى الأعمال الحديثة وتلمس الطريق إلى ميكانيزمات اشتغالها.

في هذا الضوء، ارتأينا تقديم وترجمة فقراتٍ بدت -في تصورنا- مُهمة لاستيعاب حجم التحول الذي طرأ على الوسيط السينمائي، مأخوذةً من بحث بعنوان «السينما في عصر الميديا الجديدة» للباحث الهندي بجامعة «كانور» الهندية « نصرالله مامبرول»، مؤسس المجلة الإلكترونية «الأدبية» التي تهتم بمقالات وقراءات وأبحاث تندرج في صميم نظرية الأدب والنقد الأدبي، حاولنا ما في مقدورنا، تقديم ترجمة تليق بالمحتوى الغني للبحث، الغني بمصطلحات تقنية كانت ترجمتها تستدعي قدرًا وافرًا من الحذر والاطلاع لا سيما في غياب ترجمات عربية دقيقة لها، فكُنا نراعي ترجمتها على نحو يجمع بين الدقة ويُسر الفهم، ولبلوغ هذا المسعى آثرنا ترجمة بعض المصطلحات مع إدراج مُقابِلِها باللغة الإنجليزية، كما قسمنا العمل إلى جُزأين استحضارًا منا لمشقة الاطلاع على نصوص طويلة. يبقى أن نشير إلى أن العناوين الفرعية ليست من صميم النص الأصلي بل هي مُقترحات تسّهل عملية تصفح المحتوى، هذا ونأمل أن يكون التوفيق حليفنا.

المقدمة.. ماهي السينما؟

إن إلقاء نظرة سريعة على بدايات القرن العشرين تجعل المرء يستيقن شيئا واحدا؛ لا شيء مؤكد من حيث الخصوصيات والحدود المرسومة بين الوسائط (Media)، فالسينما -على سبيل المثال- هي مُركّب يتألف من أنساق مرئية ومسموعة مُعزّزة باستخدام برمجيات الكومبيوتر والصور المعدّلة رقميا. يبدو أنّ الخط الذي كان يُعيِّن حدود السينما في مقابل الوسائط الأخرى بات يتلاشى بمعنى آخر، لا وجود لوسائط مُختلفة، إنما ثمة فقط وسائط مُتعددة (Multimieda). في هذا السياق يذكرنا نيكولاس ميرزوف في كتابه «مدخل إلى الثقافة البصرية» بأن: "الحياة العصرية تبوأت مكانها في الشاشة"، نتفرج على الشاشات ونُرَاقبُ بواسطة الكاميرات سواء كنا نستمتع بفيلم أو متى خرجنا للتسوق في المتاجر الكبرى، لقد جَرى تَوسيط الحياة (mediated) عبر التلفاز، وبدرجة أقل من خلال الأفلام والإنترنت، و بوسع المرء إن لم يكن راضيًا عن حياته في الواقع الحصول على حياة بديلة بخصائص شخصية في العالم المُنشأ رقميًا، حياة كان فقط ليتخيّلها فيما مضى، وبات مُمكنًا بفضل دمج كاميرا الفيديو وتقنية الـvoip (نقل الصوت عبر بروتكول الإنترنت) خَلْق وسائل تواصل. كانت أفلام الخيال العلمي أول من دعا بإلحاحٍ إليها قبل ابتكار الفيديو أو الإنترنت.

إننا نجد أنفسنا اليوم، حسب جيمس موناكو، مستعدين بما يكفي لاستكمال المُهمة التي بدأت منذ ما يزيد عن خمسُ مئة سنة مضت لمّا قام يوهان غوتنبرغ باختراع الطباعة بالحروف المتحركة، تلك كانت اللحظة الفارقة حيث الفن والاتصال انخرطا معًا في عوالم التكنولوجيا، أما اليوم وفقًا لآن فرايدبيرغ فقد "تحولت السينما، هذا الشكل الترفيهي الشعبي لقرابة قرن، بشكل جذري"، لافتتًا الانتباه إلى حقيقة أنّ السينما اندمجت في الوسائط الأخرى العديدة المنافسة لها، على غرار التلفزيون والحاسوب، وبالتبعية فإن الحدود بين مُختلف أشكال الميديا قد انحلَّتْ، فالأفلام السينمائية (من مثالها مقاس 35 ميليمتر) يجري تحريرها في صيغ فيـديو، كما أنّ المرحلة التي تلي تصوير الأفلام (post-production) تعتمد بصورة مُتزايدة على الكومبيوتر؛ ذلك لأن الرُسومات الغرافيكية المُتحركة والصور المُنشأة رقميًا (CGI) صارت اليوم جزءًا «طبيعيًّا» من صناعة الفيلم. إن "تكنولوجيا التلقي والعَرض" -حسب تعبير فرايدبيرغ- هي الأخرى امتزجت في صيغ متعددة الوسائط (multimedial format) ، إذ يمكن مُشاهدة الأفلام السينمائية أيضًا على الإنترنت وفي التلفاز، أو على الأقراص المدمجة (DVD)في ذات السياق، يتفق روبرت ستام حول هذه النقطة في ملاحظته للسينما من حيث شكلها الوسيطي الخَصيصِ بها قائلًا:

يبدو أنّها تتوارى في سيل جارف من الوسائط السمعية/البصرية سواء كانت وسائطًا فوتوغرافية أو إلكترونية أو سيبرنيتيقية.

هكذا إذن، لم تعد السينما اليوم طَرحًا مُناقضًا للتلفزيون كما كان الحال منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي، ولكن بالأحرى شريكه الوسائطي الذي عقد معه صفقة تشبه زواجًا خَلطِيًّا مُثمرًا من حيث التمويل والمُستخدمين، وحتى على صعيد الجَماليّات أيضًا. بعبارة أخرى؛ الصناعة السينمائية بشكل عام ليست وسيطًا منفصلًا يكتنز قواعد بنيوية أو إنتاجية فريدة به، لكنها تحولت تدريجيًا إلى مكون من جُماع مكونات الترفيه الوسط/تعددية (multimedial entertainment).

رهانُ الشاشات:

لمّا كان بوسع فرايدبيرغ القول عام 2000م بأن "شاشة العرض السينمائية، وشاشة التلفزيون المنزلي، وشاشة الحاسوب قد حافظت كل على حدة على مواقعها المُنفصلة" فقد بدا واضحًا مع أواسط عام 2007م أن مسار تطور الشاشة -بما هي سطح مُستطيل لعرض الصور- والاستخدامات الممكنة لها هي متنوعة. وفي هذا السياق يدافع ليف مانوفيتش في دراسته لِجينيالوجيا الشاشة عن استبدال الشاشة الكلاسيكية (المساحة المنظورة ثلاثية الأبعاد فوق سطح مستوي جرى استعمالها أيضًا في السينما) بالشاشة الديناميكية المتطورة من حيث تعاملها مع الصور المتحركة الآخذة في التطور هي الأخرى مع مرور الوقت. لقد أدى دخول الشاشة الديناميكية إلى صوغ أنماط جديدة للفهم والمُشاهدة، إذ ركّزت السينما الكلاسكية الروائية على مقومين: بنية خطية للسرديات، وشحنة من عواطف ماقبل-التعديلpremanipulated (في الميلودراما مثلًا: تفييض موسيقى عاطفية يشير إلى فوران المشاعر)، في حين تدعو الوسائط الجديدة المُستخدم إلى "تحكم أكبر بوَقته وصياغة شخصيّة لعواطفه الذاتية". إن الشاشة الديناميكية تُغيّر تصورنا لمفهوم الزمن والمكان، ذلك لأننا ندرك أن للفيلم مدة اشتغال زمني معين، لكن من غير المجدي التحقق من طول مدة لعبة تفاعلية أو قرص مُدمج CD-ROM مادام المُستخدم هو المعني بتعيين المُدة بالضبط.

تتحصل الشاشة الديناميكية، بفعل هذه النّقلة النوعية على مكانة تَوحيدية في الخدمات المنزلية باعتبارها سطحًا لعرض البرامج التلفزيَّة، مواقع الإنترنت، عروض أفلام منزلية، اتصالات الفيديو الهاتفية، واللائحة مفتوحة بسبب تنامي ظهور التكنولوجيا الجديدة كل يوم، وحتى قبل هذا الاستخدام الموحد لصور الشاشة، فقد فقدت المواد المعروضة عبر الرَّقمنة صِلاتها الحصرية مع الوسيط الأصلي الذي أُنشئت بواسطته (فرايدبيرغ)، فالصورة على سبيل المثال، لا تتطلب بالضرورة أن تُطبع في قطعة ورقية، إذ يمكن تفحصها على شاشة الحاسوب حتى وإن التقطت في الأصل بواسطة الكاميرا، كما أن التطور التقني المُتأخر يتيح أمام المستخدم مُتخيلًا بجودة فائقة لمواد مَصدَريَّة متنوعة من أجل تحسين الصور، الشيء الذي يجعل، أحيانا، من الصعب تحديد الوسيط الأصلي الذي استخدم في صنع المَشاهد التي تتبدى على الشاشة.

الرسالة، هل هي الوسيط؟

يمكن اعتبار الفكرة التي أبدعها مارشال ماكلوهان، حين صرّح بأن "الوسيط هو الرسالة" -يقصد بذلك أن الوسيط هو المُحَدِّد للمحتوى الذي يبث عبرهُ- يمكن اعتبارها متماسكةً إلى حدود أواسط التسعينات من القرن الماضي، لكن بعد هذا التاريخ ينبغي أن يُعاد التفكير فيها في ضوء الأفكار التي سبق وأن ألمحَ إليها فريدريش كيتلر سنة 1986م، "إن الرقمنة الشاملة للمعلومات وللقنوات التلفزية تمحو الفوارق بين الوسائط المتفردة"، في ذات السياق نُشرت سنة 1995م مقالة على الصفحة الأولى من جريدة نيويورك تايمز، وكان عنوانها اللافت بمثابة استجابة بديلة لدعوة ماكلوهان؛ "إذا كان الوسيط هو الرسالة فالرسالة هي الويب" في إشارة إلى أن حقبة وسائطية جديدة تمامًا قد ولدت للتو، بيد أن نيكولاس نيجروبونتي عبّر عن رأي يتسم بقدر من التعقيد لمّا أعاد صياغة شعار ماكلوهان على نحو نقدي قائلا: "الوسيط ليس هو الرسالة في العالم الرقمي، بل هو -أي الوسيط- تجسيدٌ لها؛ قد تتخذ الرسالة تجسيدات شتّى يمكن استخلاصها من البيانات نفسها".

يستمد رأي نيجروبونتي أهميته من قابليته للأجرأة في التجربة اليومية للمستخدم، إذ بوسعنا بالنظر إلى ظروفنا التقنية مُشاهدة الفيلم نفسه في قاعة السينما، أقراص ديفيدي، التلفاز، أو عبر الإنترنت باستخدام تقنية البث المتدفق (streaming)، أو عن طريق فيديوهات الفلاش المُدمجة (embedded flash video)، وحتى من خلال استخدام تقنية الند للندP2P (الند للند هي شبكة تستخدم قوة الصبيب والكومبيوتر للحواسيب التي تتقاسم استخدامها، وتعتبر تقنية مثالية في مشاركة الملفات ومواقع التورنت)، أو بواسطة منصات مشاركة مقاطع الفيديو على غرار « يوتوب » والمنصات الأخرى التي تتبع نفس النمط في بث مقاطع الفيديو المصورة منزليًا أو كليبات موسيقية، أو الإعلانات وحتى المقطورات الرسمية للأفلام(Trailers). كل هذا يجعل النقاشات حول خصوصية الوسيط عقيمة. تجدر الإشارة هنا إلى أنه قد بدأت مؤخرًا مؤسسة «جوست» للبث التلفزي عبر الإنترنت بالتفاوض مع بائعي الأجهزة حول "إمكانية دمج خدماتها في أجهزة الاستقبال الرقمية(STB) وأجهزة التلفاز، وهي إمكانية من شأنها تغيير السوق كما نعرفه (فيليب رايلي 2007)، على أنَّ القنوات التلفزية قد وفرت بالفعل خدماتها على الشبكة العنكبوتية، وهي مسألة وقت فقط قبل أن تغزو أجهزة الاستقبال في بيوتنا أيضًا.

من أجل التفكير في نظرية جديدة للفيلم

لقد بات ضروريًا بفعل التطويرات والتغييرات التقنية اليومية المتلاحقة إعادة التفكير في نظرية الفيلم أيضًا، إذ لا يكفي -حسب فرايدبيرغ- التركيز على مسألة الشاشة السينمائية فقط بل "علينا أن نضيف شاشات الكومبيوتر (والتقنيات الرقمية)، شاشات التلفزيون ( وصيغ الفيديو التفاعلية) إلى مَفهَمَة السينما وشاشاتها إنْ كان على صعيد التاريخ أو النظرية". في ضوء هذا المُعطى تدعو فرايدبيرغ إلى إعادة تعريف مصطلحات الدراسات الفيلمية القديمة على غرار مصطلح «الفيلم» و«الجمهور» وفق نماذج جديدة. تكتبُ قائلة:

"تتخذ الشاشات اليوم أشكال مُختلفة وهي مُتغيرة من حيث إصداراتها؛ شاشة العرض السينمائي، وشاشة التلفاز، وشاشة الحاسوب، وكذا شاشة العَرض المُثبتة على الرأس. الفيلم أيضا هو وسيط «قوي»، مُتغير في إصداراته من حيث قابلية تحريره في صيغ الفيديو، وأقراص الحاسوب، وأقراص مدمجة(CD’s)، وأقراص مدمجة عالية الكثافة (DVD’s)، وبنك البيانات، وخوادم الإنترنت. المشاهدون تحولو بدورهم إلى " مُستخدِمين" و بـحوزتهم واجِهة (سطح بيني interface) متغيرة، هي الأخرى من حيثُ إصدارات التَحكم؛ الفأرة، لوحة المفاتيح، شاشات ملمسية، يد التحكم الخاصة بالألعاب، نظارات وقفازات، وبِدلات. إضافة إلى إعادة تعريف المصطلحات السابقة، تستدعي النظرية الالتفات كذلك إلى الصورة السينمائية على اعتبار أنها الصورة المتحركة التي من شأنها في النهاية تحديد ماهية السينما.

لقد خضعت الصورة الفوتوغرافية الثابتة -وهي نواة العرض السينمائي- لتغييرات تدرجية عميقة؛ بدءًا بالإنتاج التناظري(Analog) ووصولًا إلى الرقمي(digital) وغالبا ما جرت عملية توزيع المُنتَج الفوتوغرافي بواسطة الكومبيوتر، هذا التغيير تمتد جذوره إلى ثمانينات القرن الماضي حيث كان يتم إنتاج وطبع الصور على الورق وتجري مشاركتها على نحو ملموس، لكن مع أواخر التسعينات، وبالأخص في وقتنا الحاضر، صار بإمكان كل من يمتلك كاميرا رقمية إنتاج وتقاسم صوره مع الآخرين، وبوسعه أيضًا التعديل على هذه الصور ومشاركتها بطرق متعددة (عن طريق البريد الإلكتروني، مواقع مشاركة الصور، عروض الشرائح slideshows) .من هذا المُنطلق، يمكن القول بأن السينما بدورها لم تسلم من موجة الرَّقمنة ونتائجها من حيث تداول ونقل البيانات الشيء الذي قاد فرايدبيرغ إلى إعادة التفكير في تاريخ الفيلم: "يبدو واضحًا الآن بأن التاريخ الوحيد والمتفرد للفيلم في غياب (..) الهاتف، والراديو، والتلفاز، والكومبيوتر" غير دقيق لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار خصائص تقنية مهمة يُقتسمها أكثر من وسيط.

من المُلفت حقًا أنّه على الرغم من توسيع النطاق التاريخيّ للسينما عقب ظهور التلفزيون، فإن معظم الدراسات النظرية للفيلم تركز على على إشكالية المرئي فقط، مع وجود بعض الاستثناءات الملحوظة التي تناولت إشكالية الصوت في الأفلام، وبالنسبة لفرايدبيرغ فإن أكثر الجوانب التي تحظى بتنافسية بين السينما والتلفزيون هي أشكال ومقاسات الشاشة، ذلك أن مقاسات الشاشة في السينما كانت أكبر بما لا يقارن مع مقاسات شاشة التلفاز، مع أن أنظمة السينما المنزلية حاولت مؤخرًا تعويض هذا النقص. ما لا تأخذه النظريات المعاصرة في الاعتبار هو الموجة المضادة التي تصاحب التضخيم المحتمل للعروض سواء بالنسبة لشاشات العرض السينمائي أو التلفزي، إذ مع ظهور الأجهزة المحمولة تزايد الاهتمام بـ « تقليص حجم » الصور لتتناسب مع شاشات أصغر، وهو ما يعني أن التحدي لا يكمن اليوم في صنع أضخم الشاشات على الإطلاق، وإنما في جعل البيانات المرئية متوافقة مع كل أحجام الشاشة مع الحفاظ على جودة الصور كما هي. لقد ظهر الجانب التقني لهذا المُشكل أول مرة عندما سُمح للمحطات التلفزيونية بإذاعة الأفلام الطويلة؛ الشيء الذي أدى على الفور إلى بروز واضح لإشكالية نسبة الأبعاد (aspect ratios) والاختلافات البصرية في معالجة الصور بين السينما والتلفزيون، وتُفسر فرايدبيرغ ذلك بقولها:

"إن بصَريّات التلفزيون لا تعتمد على ثبات الرؤية والعرض الإسقاطي (projection)ولكن على مَسح الصور وبثِّها".

المصدر 



   نشر في 30 أبريل 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا