إثر سقوط نظام بن علي 14 جانفي 2011 بدأت تونس تتلمس طريقها نحو الانتقال الديمقراطي عن طريق مسار قائم على مبادئ الديمقراطية والمواطنة باعتماد مقاربة حقوقية تشاركية ولكن بعد أشهر قليلة ظهرت عدة تحديات معرقلة لهذا المسار.
لعل من أهمها ظاهرة التطرف العنيف الذي بدأ السير بالبلاد الى مصير أكثر فضاعة مما كانت عليه في النظام السابق فقد برز منحدر خطير يقوم على التطرف كفكر نظري مبني على التعصب رافضا للحق في الاختلاف وللتسامح وسرعان ما تطور الى التنفيذ والتطبيق لتتضح ملامحه في الإرهاب الذي كانت أولى ملامحه في 18 ماي 2011 حيث كانت اول مواجهة بين قوات الامن و الجيش مع عناصر إرهابية و تتالت العمليات التي حصدت عديد الأرواح وصل الى حد الاغتيال السياسي لزعيمين سياسيين عن الجبهة الشعبية في سنة واحدة (اغتيال السياسي شكري بلعيد في 6 فيفري 2013 – والسياسي محمد البراهمي في 25 جويلية 2013) و لا تزال ظاهرة التطرف و الإرهاب تهدد السلم الاجتماعي و الاستقرار بتونس .ولمعالجة ذلك لابد من فهم ملامح شخصية المتبنية لهذا الفكر .
من هو المتطرف والإرهابي أليس مواطن تونسي؟ أليس وليد ثقافة مجتمعية بنيت على تراكم لسياسة 23 سنة من القمع والتهميش للقطاعات الحيوية خاصة التعليم الذي لا يزال يتعرض لخراب ممنهج بالرغم من أنه عنصر رئيسي بمؤشر التنمية البشرية .
فمواجهة الإرهاب يتطلب اتباع مقاربة شاملة لا تتضمن فحسب التدابير الأمنية الأساسية لمكافحة الإرهاب، بل باتخاذ خطوات وقائية منهجية ذات بعد اقتصادي واجتماعي و ثقافي لمعالجة الظروف الكامنة التي تدفع الأفراد إلى التطرف الفكري والانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة.
و بالعود إلى التعليم كمقياس هام بمؤشر التنمية فهو يتطلب بناء رؤية واضحة لملامح المتخرج من المدرسة التونسية.و قد فشلت السياسات العامة في تشكل ملامح مواطن سوي رغم وجود القانون التوجيهي لإصلاح المنظومة التعليمية منذ ( جوان 2002 ) الا أنه لم يفرز سوى انفصال في واقع الممارسة التربوية الذي تراجعت به منظومة القيم مع تراجع التحصيل العلمي فقد أفضت بعض الدراسات الى أن 40 بالمائة من الإرهابيين هم درسو بالجامعة وقد تعالت الأصوات بعد الثورة من أجل التعجيل بإصلاح التعليم باعتباره أولوية وطنية.و في محاولة لذلك تمت الاستشارة الوطنية حول اصلاح المنظومة التربوية سنة 2015 و لكنها لم تفضي الى اصلاح و انقاض التعليم الذي لا يزال يرزخ تحت عدة تجاذبات بالرغم من التسليم بفشل المنظومة الحالية .
فاذا ما سلمنا بأن التعليم يرسم ملامح المتخرج من المدرسة التونسية و القيم التي على المدرسة أن تربي عليها الناشئة و ترسخها بشخصيته. فلابد من وجود خطة استراتيجية شاملة تنطلق من الوعي بأهمية التعليم في مكافحة التطرف والإرهاب والدور الذي يلعبه التعليم في بناء أجيال تملك فكرا منفتحا وعقولا واعية قادرة على مواجهة الأفكار الهدَّامة التي تبثها جماعات التطرف والإرهاب و ذلك بنشر ثقافة التفكير الإيجابي وتعزيزها، وممارسة قيم التسامح والتعددية، وتعزيز مبدأ الوسطية وقيم الاعتدال، و تعزيز حقوق الانسان و المواطنة. و ينبني ذلك على سياسة تعليمية تربوية واضحة الملامح لذلك من الملحّ اعتبار ان التعليم هو خط الدفاع الأول ضد التطرف و الإرهاب.
-
جنات محمدجنات محمد كداشي استاذة تاريخ و ناشطة مجتمع مدني رئيسة جمعية صوت حواء و ميسرة بمعهد الفضاء المدني مدربة في المناصرة و كسب التأييد و حقوق الانسان و الحكم المحلي