" هو السبب الأساسي لتأخُّر المجتمع "
" لا يمكن لأي مجتمع النهوض في وجود أمثاله "
" لا خير يُرجَى منه "
لعلك تتساءل من هو هذا الشيطان الذي تجتمع فيه هذه الصفات , ربما هو قاتل محترف أو خائن أو ....
أو ربما هو ليس أياً من هؤلاء , قد يكون إنساناً بسيطاً في هيئته إلا أنه في نظر البعض قد إرتكب جُرماً شنيعاً لا يُغتَفَر .
لن أُطيل عليك أكثر من ذلك , هذا الشيطان هو " الإنسان الذي لا يحب القراءة " .
كثيراً من أقرأ مقالات تتحدّث بكل سوء عن ذلك الإنسان و تشيطنه و تتنوّع الإتهامات بين الجهل و التفاهة و اللامبالاة , فهو في نظر محبي القراءة شخص كسول إختار الجهل على العلم , و لقد إعتنقت هذا التفكير لفترة من الوقت إلى أن قادتني الظروف لموقف غيّر نظرتي لهذا الإنسان .
إجتمعت عائلتي ذات يوم , و كان بينهم طفل صغير وجدته يجلس أمام شاشة الكمبيوتر يشاهد صوراً و فيديوهات عن الفضاء و الأقمار الصناعية و يلعب لعبة عن نفس الشيء و فوجئت بأن لديه معلومات هائلة عن الفضاء لا أعرف مِعشارها , فأقترحت عليه أن أفتح له صفحات على الإنترنت فيها مقالات عن الفضاء , لكنه رفض قائلاً لي " لا أحب القراءة , لكن أحب الصور و الألعاب " .
فهل يمكننا إتهام هذا الطفل الصغير بالكسل لأنه لا يحب القراءة ؟ , لا أظن فهو بالفعل مجتهد بدليل أنه يبحث عن وسائل لمعرفة المجال الذي يحبه (الفضاء) و يعلم الكثير عنه .
هل يمكننا إتهامه بالجهل ؟ لا أظن أيضاً , فطفل مهتم بالفضاء و الأقمار الصناعية لا يمكن إتهامه بهذا الأمر .
ماذا إذاً ؟ لماذا لا يحب القراءة ؟!
الأمر بسيط جداً , هو فقط لا يحب القراءة , لا توجد لديه الرغبة الداخلية للقراءة التي توجد لدي القرّاء , فهو يحب الإطّلاع و المعرفة , لكنه يحب أن يجمع المعلومات من خلال الصور و الفيديوهات فهذا أمتع بالنسبة له و يساعده على الفهم أكثر , فلو أنك أعطيته كتاباً عن الفضاء ليقرأه لن يستطيع الوصول للصفحة الثانية لأنه لا يحب القراءة , في حين أنك لو حوّلت هذا الكتاب لفيديو سيفهم محتواه من أول مشاهدة .
قد تستنكر أيها القارئ الكريم كلامي و تجد أنني أحاول أن أبرّر لمن لا يحب القراءة ذلك , لكنني أؤكّد لك أنني لم أكتب هذا المقال دفاعاً عنهم , بل حتى نرى الأمر من وجهة نظرهم .
أخبرني أيها القارئ , هل تحب الرسم ؟
لا تحبّه ! إذاً من حق الرسّام أن يتهمك ببلادة الذوق الفنّي , فمن لا يرسم - من وجهة نظره – بليد الذوق و المشاعر .
حسناً , فلنجرّب شيئاً آخر , النحت ؟ هل تحب النحت ؟
لا تحب ذلك أيضاً ! إذاً من حق النحّات أن يتهمك بعدم الصبر , فمن لا ينحت – من وجهة نظره – عَجُول لا يصبر .
و يمكنك أن تجرّب هذه الأسئلة مع أشياء أخرى مثل عزف الموسيقى و إلقاء الشعر و غيرها
و ستجد أننا إذا سرنا في هذا الطريق سيصبح كلٌ منّا مُتّهم في نظر الآخر .
إن الأمر لا علاقة له بالكسل أو البلادة أو غيرها , بل له علاقة بالميول التي يُولَد بها الفرد , فأنت أيها القارئ العزيز هل إخترت حب القراءة ؟؟ هل عُرِضَت عليك المواهب كلها فإخترت القراءة من بينهم ؟؟ لا أظن , بل وجدت نفسك منذ الصِغَر تحب قراءة كل شيء : كتب المدرسة و الجرائد حتى الكتابات على الحائط , فَلِم الفخر إذا بقراءتك ؟؟ و لم إتهام الآخرين بالجهل ؟! إن الإنسان لا يجب أن يفخَر إلا بما إختاره بإرادته .
لا أُنكر بالطبع أن هناك إشخاصاً يتكاسلون عن القراءة , لكن لا يمكننا إتّهام الجميع بالكسل , فهي ميول بالمقام الأول , حتى إنك لتَرى تبايناً بين القرّاء أنفسهم فمنهم من لا يطيق القراءة أكثر من ساعة و منهم من يطيق يوماً كاملاً , منهم من يجيد قراءة كل شيء و منهم من يحب مجالات معينة ولا يميل لآخرى .
إن مقالي هذا هو دعوة للتوقّف عن إتهام الآخرين بالجهل و إحتكار الوعي لأنفسنا , فأنت لا تعلم ما تحوي الصدور و العقول فرُبَّ قارئ لم تنفعه قراءته بشيء , و هو أيضاً دعوة للتقرّب إلى من لا يحبون القراءة بتحويل الكتب إلى أشياء أخرى يحبونها كالصور الثابتة و المتحركة و الفيديوهات و الألعاب اليدوية و الإلكترونية و الألغاز و الأفلام و المسرحيات , فإن كان هناك أشخاصاً يستخدمون هذه الأشياء لإفساد العقول , فلنستخدمها نحن لإنماء العقول .
هي دعوة مفتوحة لتطبيق ما نقرأه بشكلٍ عملي , هي دعوة مفتوحة لنشر العلم بكافة الطرق .
-
عمرو يسريمهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.