الشيطان المظلوم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الشيطان المظلوم

  نشر في 06 أبريل 2016 .

" هو السبب الأساسي لتأخُّر المجتمع "
" لا يمكن لأي مجتمع النهوض في وجود أمثاله "
" لا خير يُرجَى منه "

لعلك تتساءل من هو هذا الشيطان الذي تجتمع فيه هذه الصفات , ربما هو قاتل محترف أو خائن أو ....

أو ربما هو ليس أياً من هؤلاء , قد يكون إنساناً بسيطاً في هيئته إلا أنه في نظر البعض قد إرتكب جُرماً شنيعاً لا يُغتَفَر .

لن أُطيل عليك أكثر من ذلك , هذا الشيطان هو " الإنسان الذي لا يحب القراءة " . 


كثيراً من أقرأ مقالات تتحدّث بكل سوء عن ذلك الإنسان و تشيطنه و تتنوّع الإتهامات بين الجهل و التفاهة و اللامبالاة , فهو في نظر محبي القراءة شخص كسول إختار الجهل على العلم , و لقد إعتنقت هذا التفكير لفترة من الوقت إلى أن قادتني الظروف لموقف غيّر نظرتي لهذا الإنسان .

إجتمعت عائلتي ذات يوم , و كان بينهم طفل صغير وجدته يجلس أمام شاشة الكمبيوتر يشاهد صوراً و فيديوهات عن الفضاء و الأقمار الصناعية و يلعب لعبة عن نفس الشيء و فوجئت بأن لديه معلومات هائلة عن الفضاء لا أعرف مِعشارها , فأقترحت عليه أن أفتح له صفحات على الإنترنت فيها مقالات عن الفضاء , لكنه رفض قائلاً لي " لا أحب القراءة , لكن أحب الصور و الألعاب " .

فهل يمكننا إتهام هذا الطفل الصغير بالكسل لأنه لا يحب القراءة ؟ , لا أظن فهو بالفعل مجتهد بدليل أنه يبحث عن وسائل لمعرفة المجال الذي يحبه (الفضاء) و يعلم الكثير عنه .

هل يمكننا إتهامه بالجهل ؟ لا أظن أيضاً , فطفل مهتم بالفضاء و الأقمار الصناعية لا يمكن إتهامه بهذا الأمر .

ماذا إذاً ؟ لماذا لا يحب القراءة ؟!


الأمر بسيط جداً , هو فقط لا يحب القراءة , لا توجد لديه الرغبة الداخلية للقراءة التي توجد لدي القرّاء , فهو يحب الإطّلاع و المعرفة , لكنه يحب أن يجمع المعلومات من خلال الصور و الفيديوهات فهذا أمتع بالنسبة له و يساعده على الفهم أكثر , فلو أنك أعطيته كتاباً عن الفضاء ليقرأه لن يستطيع الوصول للصفحة الثانية لأنه لا يحب القراءة , في حين أنك لو حوّلت هذا الكتاب لفيديو سيفهم محتواه من أول مشاهدة .

قد تستنكر أيها القارئ الكريم كلامي و تجد أنني أحاول أن أبرّر لمن لا يحب القراءة ذلك , لكنني أؤكّد لك أنني لم أكتب هذا المقال دفاعاً عنهم , بل حتى نرى الأمر من وجهة نظرهم .

أخبرني أيها القارئ , هل تحب الرسم ؟

لا تحبّه ! إذاً من حق الرسّام أن يتهمك ببلادة الذوق الفنّي , فمن لا يرسم - من وجهة نظره – بليد الذوق و المشاعر .

حسناً , فلنجرّب شيئاً آخر , النحت ؟ هل تحب النحت ؟

لا تحب ذلك أيضاً ! إذاً من حق النحّات أن يتهمك بعدم الصبر , فمن لا ينحت – من وجهة نظره – عَجُول لا يصبر .

و يمكنك أن تجرّب هذه الأسئلة مع أشياء أخرى مثل عزف الموسيقى و إلقاء الشعر و غيرها

و ستجد أننا إذا سرنا في هذا الطريق سيصبح كلٌ منّا مُتّهم في نظر الآخر .

إن الأمر لا علاقة له بالكسل أو البلادة أو غيرها , بل له علاقة بالميول التي يُولَد بها الفرد , فأنت أيها القارئ العزيز هل إخترت حب القراءة ؟؟ هل عُرِضَت عليك المواهب كلها فإخترت القراءة من بينهم ؟؟ لا أظن , بل وجدت نفسك منذ الصِغَر تحب قراءة كل شيء : كتب المدرسة و الجرائد حتى الكتابات على الحائط , فَلِم الفخر إذا بقراءتك ؟؟ و لم إتهام الآخرين بالجهل ؟! إن الإنسان لا يجب أن يفخَر إلا بما إختاره بإرادته .

لا أُنكر بالطبع أن هناك إشخاصاً يتكاسلون عن القراءة , لكن لا يمكننا إتّهام الجميع بالكسل , فهي ميول بالمقام الأول , حتى إنك لتَرى تبايناً بين القرّاء أنفسهم فمنهم من لا يطيق القراءة أكثر من ساعة و منهم من يطيق يوماً كاملاً , منهم من يجيد قراءة كل شيء و منهم من يحب مجالات معينة ولا يميل لآخرى .

إن مقالي هذا هو دعوة للتوقّف عن إتهام الآخرين بالجهل و إحتكار الوعي لأنفسنا , فأنت لا تعلم ما تحوي الصدور و العقول فرُبَّ قارئ لم تنفعه قراءته بشيء , و هو أيضاً دعوة للتقرّب إلى من لا يحبون القراءة بتحويل الكتب إلى أشياء أخرى يحبونها كالصور الثابتة و المتحركة و الفيديوهات و الألعاب اليدوية و الإلكترونية و الألغاز و الأفلام و المسرحيات , فإن كان هناك أشخاصاً يستخدمون هذه الأشياء لإفساد العقول , فلنستخدمها نحن لإنماء العقول .

هي دعوة مفتوحة لتطبيق ما نقرأه بشكلٍ عملي , هي دعوة مفتوحة لنشر العلم بكافة الطرق . 


  • 17

  • عمرو يسري
    مهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.
   نشر في 06 أبريل 2016 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 6 سنة
فعلا لكل انسان موهبة ربانية تختلف من شخص الى اخر،والاختلاف لا يميز احدهم على الاخر في الذكاء ،وكما اشرت فان الفنون مختلفة و لكل شخص ميولاته،الحقيقة ان اتهام شخص بالجهل بسبب عدم حبه للمطالعة خطأ كبير،وهذه هي مشكلة الناس التقييم السلبي للاخرين ،ويبقى التشجيع على القراءة مهما جدا ،ففي مونتريال مثلا توجد مكتبة في كل حي ،ويقوم الاولياء باخذ الكتب اسبوعيا لتعويد الاطفال على القراءة،بانتظار كتاباتك،تحياتي.
1
عمرو يسري
شكرا سلسبيل لتعليقك الذي أثرى المقال , أتمنى أن يتم تشجيع جميع الهوايات حتى يصبح لدينا أجيالاً موهوبة في جميع المجالات .
بالتوفيق في كتاباتك و حياتك .
بسمة منذ 7 سنة
وجهة نظر صاااائبة ...
دامت لنا افكارك الراقية .
1
أحمد رشيد منذ 8 سنة
مقال واقعي جدا، كثيرا ما نرى من من يكثرون القراءة من هم أقل لياقة فكرية وعقلية من من لا يقرؤون.
1
صح اتهام الجميع يكون ظلم بحق كل انسان، ولكن خاصة المطالعة نتمنى ان يعرف الجميع قيمتها حاضرا ومستقبلا ...لأنني اعتبرها ذاك المنظار الذي نرى به المستقبل بعقول نيرة....شكرا لك على الطرح
2
عمرو يسري
و أنا أيضاً أتمنى أن يقرأ الجميع ,
شكرا لكي سيدتي

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا