دبلوماسية اسرائيل القمعية
بيتر بينارت - موقع Jewish currents - ترجمة / محمد احمد حسن
نشر في 13 ديسمبر 2020 .
في الثالث و العشرين من أكتوبر الماضي أعلن دونالد ترامب أن السودان سوف تبدأ عملية التطبيع مع إسرائيل . الإعلان الذي كان جزءا من صفقة لإزالة السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب يأتي في أعقاب اعتراف كلا من البحرين و الإمارات بالدولة اليهودية . و قد زعم كل من ترامب و نتنياهو أن هذه الاتفاقيات التي سميت ب(( اتفاقيات أبراهام )) سوف تعزز (( الكرامة الإنسانية و الحرية )) في الشرق الأوسط .
بعد اثني عشر يوما من توقيع اتفاقيات أبراهام حاولت شاعرة تدعى ظبية خميس أن تمارس حريتها في مغادرة الإمارات . إلا أن حكومتها منعتها من ركوب الطائرة . و قد أعلنت خميس أن (( المنع ربما يكون بسبب رأيي المعلن ضد التطبيع و الصهيونية )) . و تابعت (( أخشى على حياتي و حريتي من التهديد و الاعتقال )) . هذه المخاوف لها أساس من الصحة . فوفقا لتقريره نشرة موقع ( middle east monitor ) (( فإن عددا من الإماراتيين و الفلسطينيين و الأردنيين المقيمين في الإمارات عوقبوا بالفعل بسبب معارضة اتفاقية السلام التي ابرمتها ابوظبى مع إسرائيل )) .
تجربة خميس توضح الحقيقة الصادمة : فبالرغم من أن الاختراقات الدبلوماسية التي حققتها إسرائيل في الخليج الفارسي ( العربي – المترجم ) قد حازت على ثناء قطبي السياسة الحزبية في أمريكا فإنها تعتمد بل و تساهم في زيادة حدة القمع الوحشي . ففي السودان التي تمر بمرحلة انتقالية هشة بعد ثلاث عقود من الحكم الديكتاتوري يعرض التطبيع الديمقراطية للخطر أيضا . السبب بسيط ففي المنطقة التي لا يزال فيها التعاطف مع القضية الفلسطينية ضاربا بجذوره في عمق يحظى موضوع الاعتراف بإسرائيل بمعارضة جماهيرية شرسة . و بالتالي فلكي يتم تنفيذ اتفاقيات التطبيع فإن نتنياهو و ترامب يحتاجون إلى شركاءهم العرب لقمع المعارضة المحلية . و لطالما تباكى داعمو إسرائيل على انعدام الديمقراطية في الشرق الأوسط . الأمر المثير للسخرية أن انعدام الديمقراطية هو ما تعتمد عليه دبلوماسية السلام الإسرائيلية بشكل كبير .
في منطقة محكومة بأنظمة سلطوية يعد التلاعب بآراء الناس خصوصا في موضوع حساس كالعلاقات مع إسرائيل أمرا صعبا . بعض استطلاعات الرأي تتوقع معارضة جماهيرية كاسحة . ففي 2019 و 2020 على سبيل المثال حينما استطلع المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات آراء أكثر من 28000 شخص في 13 دولة عربية عما إذا كانوا يؤيدون (( اعترافا دبلوماسيا بإسرائيل من قبل دولتك )) فأجاب 88 % ممن تم استطلاع آرائهم ب( لا ) . و في يونيو الماضي حينما استطلع معهد واشنطن لسلام الشرق الأوسط آراء الإماراتيين حول ما إذا كان (( ينبغي السماح للمواطنين بإقامة علاقات اقتصادية و رياضية مع إسرائيل )) فأجاب 80 % ممن تم استطلاع آرائهم بعدم الموافقة . على النقيض من ذلك تم إجراء استطلاع رأى في ثمان دول عربية بما فيها الإمارات بواسطة مؤسسة زغبي لاستطلاعات الرأي اظهر انفتاحا ملحوظا على إقامة علاقات دبلوماسية . ( معظم من تم استطلاع آرائهم من قبل زغبي اعتقدوا أن ( تطبيع الدول العربية سوف يمكنهم من فرض شئ من الضغط على إسرائيل يمكنهم من تأمين حقوق الشعب الفلسطيني ) . و لكن حتى مع قراءة أكثر عمومية لمعلومات فإن اى حكومة تسعى إلى إقناع شعبها بالموافقة على معاهدة السلام مع إسرائيل سوف تواجه مقاومة شرسة و هو الأمر الذي يفسر لماذا تزامنت علاقات الإمارات و البحرين مع الدولة اليهودية مع القمع المشدد بالرغم من أن مملكة البحرين كان لديها يوما ما مجلس تشريعي ذو صوت عال لطالما اخضع وزراء الحكومة لاستجوابات قاسية . ففي الفترة ما بين عام 2006 و 2010 فاز حزب شيعي معارض للحكومة التي يهيمن عليها السنة تقريبا بنصف مقاعد المجلس و بدأت في إجراء تحقيقات بشأن فساد الحكومة . و لكن خلال عام 2011 عام الربيع العربي حينما طالب المحتجون باستقالة رئيس الوزراء المعمر و المتهم بالفساد ( بالمصادفة هو عم الملك أيضا ) قام النظام و بدعم من السعودية و الإمارات بقمع تلك الاحتجاجات و منذ تلك اللحظة كما أوضحت لي كريستيان اولريشن الخبيرة في شئون الخليج في جامعة رايس فإن برلمان البحرين قد تم تحييده . و في تقريرها بعنوان ( الحرية في العالم ) لاحظت مؤسسة فريدوم هاوس الأمريكية للدفاع عن الديمقراطية أن (( البحرين التي كانت يوما ما نموذجا واعدا للتحول الديمقراطي و الإصلاح السياسي أما الآن فمنذ قمع الحراك الاحتجاجي المؤيد للديمقراطية فإن الحكومة التي تقودها الأسرة الحاكمة السنية قد قامت بالقضاء بشكل منهجي على طائفة واسعة من الحقوق السياسية و الحريات المدنية )) .
تقارب البحرين مع إسرائيل و الذي كان سريا لأعوام لم يكن هو السبب في هذه السلطوية المتنامية و لكنه اعتمد عليها . و كما لاحظت الخبيرة في مجموعة الأزمات الدولية الهام فخر و أن 17 منظمة مجتمع مدني بحرينية تتباين أيدلوجياتها ما بين يسارية و قومية و إسلامية أصدرت بيانا مشتركا عارضت فيه العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل . أما الحزب الشيعي المعارض ( جمعية الوفاق – المترجم ) الذي حصل على نصف مقاعد البرلمان قبل إعلان حل الحزب في 2011 . هذا الحزب الآن محظور . و لأن البرلمان قد تم تجريده من صلاحياته وجد ملك البحرين أنه من السهل تجاهل المشاعر الغاضبة .
لكي نشرح كيف قامت السلطوية المتنامية في البحرين بتسريع وتيرة علاقاتها مع إسرائيل تعقد اولريشن مقارنة مع الجارة الكويت الدولة الوحيدة التي تصفها فريدوم هاوس أنها ( حرة جزئيا ) و مثلما حدث في البحرين فإن قطاعا واسعا من المجتمع المدني الكويتي أعلن رفضه للتطبيع . و لكن هذه المعارضة لديها ثقل اكبر لأن البرلمان يستطيع الإطاحة بوزراء الحكومة من مناصبهم . ففي الكويت كما تقول اولريشن (( لن يعلن وزير واحد في الحكومة أنه سيؤيد التطبيع إذا شعروا أن البرلمان سوف يعارض ذلك )) . و إذا كانت هناك مسئولية مشابهة موجودة في البحرين فمن المحتمل أن وزير خارجيتها لم يكن ليوقع على اتفاقية أبراهام في حديقة البيت الأبيض .
و بينما استفادت حكومة إسرائيل من القمع السياسي في البحرين فإنها حرضت عليه بشكل نشط في الإمارات . ففي عام 2015 فاز الناشط الحقوقي احمد منصور بجائزة مارتن اينالس و رشح لجائزة نوبل و ذلك لمناهضته للتعذيب و دفاعه عن حرية التعبير في الإمارات . و في العام الذي يليه تلقى رسالة نصية مشبوهة على هاتفه . و قد كشف تحقيق أجرته مؤسسة الأبحاث الكندية ( citizen lab ) أن الرسالة مرتبطة بمجموعة ( NSO ) الشركة الإسرائيلية المتهمة بمساعدة السعودية على تعقب الصحفي المقتول جمال خاشقجى . و لاحقا تم رفع دعوى قضائية ضد الشركة تتهمها بأنها لم تكن لتبيع برامج التجسس التي تنتجها لولا موافقة الحكومة الإسرائيلية . و بعد ستة أشهر من استلام الرسالة النصية ألقى القبض على منصور و حكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة (( الإضرار بهيبة و مكانة الدولة و رموزها )) و منذ اعتقاله رصدت منظمة هيومان رايتس ووتش في يونيو انه قد تم وضعه في ( حبس انفرادي ) محروما من الكتب و النوم و حتى استنشاق الهواء النقي )) .
حالة منصور هي مجرد مثال واحد على كيفية مساهمة إسرائيل في نظام الرقابة التي تمارسها الإمارات على شعبها ففي عام 2017 ترك عملاء سابقون في المخابرات الإسرائيلية شركة ( NSO ) لينضموا إلى شركة ( DARK MATTER ) و التي وصفتها صحيفة نيويورك تايمز بأنها ( ذراع الدولة الإماراتية الفعال ) . ووفقا لما نشرته وكالة رويترز فقد قامت شركة (DARK MATTER ) بتوظيف موظفين سابقين في وكالة الأمن القومي الامريكى قاموا بالتجسس على معارضين إماراتيين و صحفيين أجانب كتبوا مقالات تنتقد النظام . و قد نشرت صحيفة التايمز البريطانية العام الماضي أن الشركة أنتجت تطبيقا بعنوان ( totok ) و هو تطبيق لإرسال رسائل نصية و رسائل فيديو تسمح للحكومة الإماراتية بشكل سرى للغاية (( بتعقب كل حوار أو حركة أو علاقات أو مواعيد و أصوات و صور من قاموا بتنصيب هذا البرنامج على هواتفهم )) . الشراكة بين ابوظبى و القدس ( القدس عاصمة فلسطين العربية و ليست مدينة صهيونية – المترجم ) حسبما قال الأستاذ في جامعة كينجز كوليدج اندرياس كريج لموقع دويتش فيله الالمانى أوائل هذا العام آن (( هذا الأمر ساهم في تقييد حرية التعبير أكثر من اى وقت مضى و بشكل غير متوقع حتى في منطقة الخليج )) .
الديناميكية المتبعة في كلا من الإمارات تساعدنا في شرح لماذا سيقوض التطبيع الانتقال الديمقراطي في السودان . ففي العام الماضي أسقطت الجماهير المحتجة ديكتاتور الخرطوم عمر البشير الذي حكم لفترة طويلة . و لكن الجيش السوداني لم يغب عن المشهد كلية . و بعد نزاع دموي لبعض الوقت بين مؤيدي الديمقراطية من المحتجين و بين الجنرالات الذي يسعون للحفاظ على الحكم العسكري اتفقت المكونات السودانية على حكومة هجينة تمهد الطريق لانتخابات حرة و من ملامحها الأولى مجلس السيادة إلى سيطر عليه العسكريون و مجلس الوزراء الذي سيطر عليه المدنيون و مجلس تشريعي لم يتم تشكيله بعد .
منذ البداية اتفق المدنيون و العسكريون على شئ واحد أنه للإبقاء على اى أمل بشأن إنقاذ الاقتصاد المنهار فإنه يجب إزالة السودان من قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب . غير انه أدركوا بمرور الوقت أن الطريق إلى واشنطن يمر عبر القدس و أنه لكي تحرر السودان نفسها من قائمة إدارة ترامب للإرهاب فإن الخرطوم يجب أن توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل .
و قد أبدى الجنرالات استعدادهم للقيام بذلك في غياب اى تفويض شعبي . حيث أن عبد الفتاح البرهان الجنرال الذي يتولى مجلس السيادة و الذي اشرف سابقا على مشاركة السودان في الحرب التي تقودها السعودية و المدعومة من الإمارات و لا يزال مرتبطا بشكل وثيق بأنظمة الخليج الملكية . ففي فبراير الماضي اخفي البرهان عن مجلس الوزراء المدني و بطلب من الإمارات لقاؤه المفاجئ مع نتنياهو في أوغندا .
بالنسبة لدوره أصر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أنه قائم بالأعمال و أنه (( لا يمتلك الصلاحيات التي تخوله اتخاذ قرار بالتطبيع )) . و شددت قوى الحرية و التغيير و هو التجمع الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير أن التغيرات الجوهرية بشأن قضية سياسية بمثل تلك الأهمية كالعلاقات مع إسرائيل ينبغي أن يقررها الشعب السوداني عبر المؤسسات التي تمثله .
و احتراما لنلك المخاوف شدد وزير الخارجية السوداني على أن اتفاق التطبيع مع إسرائيل يتطلب موافقة المجلس التشريعي الذي لم يشكل بعد . و لكن لا توجد مثل تلك المحاذير في البيان الرسمي للبيت الأبيض و الذي أعلن أن قادة السودان وافقوا على تطبيع العلاقات بين السودان و إسرائيل . و في بلد – وفقا لاستطلاع المركز العربي يعارض 80% من شعبه التطبيع – فإن إقامة علاقات دبلوماسية بشكل سريع مع إسرائيل ربما يزعزع استقرار الحكومة الانتقالية الهشة . و بالفعل أشعل الإعلان عن ذلك شرارة الاحتجاجات و ادعى رئيس اكبر الأحزاب السودانية وثيق الصلة بالحراك الاحتجاجي الذي اسقط البشير أن اتفاق التطبيع (( يخالف القانون الوطني السوداني )) و هو ما قد يعنى (( اندلاع حرب جديدة )) . و قد صرحت إلى سارة ليا واتسون المديرة التنفيذية لمؤسسة الديمقراطية للعالم العربي الآن ( DAWN ) أنها تتخوف من احتمالية استخدام الجنرالات لعدم الاستقرار الناتج عن إعلان الأمر كذريعة لحكم عسكري كامل و إنهاء التحول الديمقراطي . و بذلك فإن حالة السودان في طريقا إلى أن تكون مشابهة لما حدث في الإمارات و البحرين .
إنه ليس من قبيل الصدفة أن يكون تسارع وتيرة التطبيع متزامنا مع تنامي السلطوية . إنها نتيجة منطقية للسياسات الإسرائيلية . ففي عام 2002 عرضت جامعة الدول العربية بكل أعضائها إقامة سلام مع إسرائيل إذا قبلت إسرائيل بمطلب منظمة التحرير الفلسطينية : دولة فلسطين قابلة للحياة و (( مجرد حل )) لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين . في حالة قبول إسرائيل للمبادرة فإن سعى الحكومات العربية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل سوف يقابل بمقاومة شعبية اقل . و لكن إسرائيل خصوصا في عهد نتنياهو تسعى للتطبيع دون القبول بالحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين . بعض الأنظمة العربية الخائفة من تنامي قوة إيران و الانكماش الامريكى لا تزال تجد في علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أمرا مخيفا لأن مثل هذه العلاقات سوف تحظى بأقل دعم شعبي و القيام بهذا الأمر يتطلب قمعا اكبر يتم تنفيذه بمساعدة التكنولوجيا الإسرائيلية .
في الأشهر القادمة ربما تنجح إسرائيل في إقامة علاقات مع دول عربية أخرى و لكن على المدى البعيد فإن العلاقات الدافئة مع الأنظمة القمعية من المحتمل أن تجابه بعداء اكبر من الجمهور العربي . في الماضي استاء المواطنون العرب من إسرائيل بسبب قمع الفلسطينيين و في المستقبل ربما يستاءون من مساعدة إسرائيل لحكوماتهم في قمعهم
رابط المقال الاصلى
https://jewishcurrents.org/israels-repressive-diplomacy/