طرحت علي صديقة سؤال "لماذا قد يخفي المتعلم علمه؟" كان السؤال هو المقص الذي قطع سلك القنبلة، وتسبب في انفجار الأجوبة وتدفق الأفكار دون إنقطاع، كأنني كنتُ أنتظر أن يطرح علي أحدهم هذا السؤال، إنه سؤال عني وعن من هم أمثالي، وهم كثر بكل تأكيد، هم بيننا لكنهم يرتدون أسمك رداء جهل حتى أصبحوا أكثر جهلا من الجاهلين ظاهراً،
ويمكننا إعادة صياغة السؤال لنبدأ حديثنا "لماذا يعيش المتعلم حياة مزدوجة في مجتمعاتنا؟"
بنظرة فاحصة سنرى إن هناك عدة أسباب متعلقة بالمجتمع والمتعلم نفسه منها:
- النظرة السوداوية للنجاح بكل أشكاله (مالي , عملي , علمي) على إنه بعد عن الله، وإن المصائب وحدها هي من تقرب العبد إلى الله، وإن على المرء أن يكون مسكيناً ليحبه الله، وإن شكر النعم المغدقة منه جل وتعالى وتسخيرها لخدمة عباده لا فائدة ترتجى منه، بل ويحكمون على المتفوق إنه كافر تقريباً وإن لم ينطقوها وهذا يأخذنا إلى النقطة الثانية.
- الثقافة المتوسطة وأقل من المتوسطة وربما الجهل هي الموجة السائدة والمحبوبة، خصوصا للنساء، وهناك فئة كبيرة من الناس تتظاهر بالجهل للحصول على القبول الإجتماعي فهم يجدون الجاهلين جذابين وأكثر شهرة وحباً.
- التوجيه النبوي يدعونا إلى غبطة الناجح، وتهنئته، والسعادة من أجله، والدعاء من أجل الحصول على مثل ما عنده، إلا إن الواقع هو وجود المتعلم بين أفراد المجتمع ينمي شعورهم بالنقص والغيرة والحسد، وبما إنهم يخلدون في مناطق الراحة والكسل، ويحبونها حباً جماً، لذا هم ببساطة يقومون بتدميره لكي يختفي ذلك الشعور الذي يدعوهم للعمل.
- العمل بجد وهدوء، ودون ضجيج، وجعل النتائج الجيدة تشير إلى صاحبها ، لهو أوفر للجهد والوقت وأينع ثماراً وأحسنها.
- بالنسبة إلى المتعلم نفسه فهو حين يعلن عن قدراته سيكون عرضة لأمرين أما العداء والنبذ، أو الإحترام والتقدير المبالغ لأنه فريد من نوعه، وهذا قد يملؤه زهواً في غير موضعه، فهو يدرك بالفعل إنه يسير على دربه الصحيح بسرعة سلحفاة مريضة مقارنة بما يحتاجه هدفه من طاقة، ومقارنته مع أبناء جيله في مجتمعه لا تعود عليه إلا بالتقاعس والكسل، كما إنه سيصبح تحت عبء توقعات عالية لا تلائمه، بل وقد تكون معيقة.
-يبحث المتعلم عن من يشابهه في التفكير ليشجعه ويتشجع به، فهو يعلم يقيناً إن هناك من هم يماثلونه وإن ندروا، وهم بحاجة للدعم النفسي والكلمات الايجابية مثله تماما.
- يعتقد المتعلم إن الارتقاء بالجموع لا يكون عن طريق اظهار قدراته التي قد تسبب بعض الألم للآخرين أو البغض تجاهه أو الهلع، بل عن طريق تظاهره بأنه مثلهم، وارتقاء السلم سويا درجة درجة، يد بيد نحو الأعلى، فكونه مثلهم يجعل كلامه محبب أكثر. أما التغييرات الكبيرة في ثقافة المجتمع فهي تقع على عاتق المؤسسات المختصة والحكومات، لذا هو ينتظر أن ينجح بصورة ملموسة وكبيرة ليقدم على خطوات كبيرة.
لذا يفضل المتعلمون لهذه الأسباب وغيرها أن يكونوا كما قال المعري وصدق في قوله:
"لما رأيت الجهل في الناس فاشيا
تجاهلت حتى ظن إني جاهل"
سمانا السامرائي
2:13 م
السبت 15/4/2017
التعليقات
يعكس الحقيقة المرة التي يعيشها مجتمعنا العربي ... اتمنى لك التوفيق
مقال جميل يعبر عن واقعنا الأليم للأسف .
بالتوفيق .