يزهر الإنسان مع من يتقبله - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

يزهر الإنسان مع من يتقبله

  نشر في 04 يوليوز 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

كانت الساعة تشير إلى الخامسة عصرآ، حينما جاءتي زوجتي تشتكي من ابننا الصغير فارس ذو العشر سنوات. قلت غاضبآ: يإلهي ماهذا الطفل المزعج ماذا فعل مجددآ لماذا لايكون مثل إخوته ينفذ مانقول ويمشي كما نريد نحن. ذهبت إليه في غرفته ثم نظرت إلى عينيه. لاأخفيكم أني أحب النظر إليها دوما كانت كل أعين إخوته باردة باهتة ومتشابهة إلا عيناه هو فقد كانت تنبض بالحياة كأنها تحمل سحرآ عجيبآ لا أدري ماكنهه أو مصدره، قلت له غاضبا: لقد قالت أمك أنك تريد قطة لتلعب معها أليس كذلك.

رد علي: صحيح ياأبي أريد أن ألعب معها وسوف أبني لها كوخآ صغيرآ في حديقتنا الكبيرة.

أنا: يإلهي لماذا أنت هكذا دائما ياولد، لماذا تفعل هذا بي وتتعبني لماذا لاتكون مثل باقي اخوتك كل واحد منهم يجلس في غرفته يجلس محدقآ أمام شاشة جهازه، لماذا لاتكون مثلهم؟

رد وعيناه تذرفان من الدمع: أنا لست مثلهم أنا مختلف لماذا تريدني أن أعيش الحياة التي تحبها أنت، أنا لاأريد أن أتعبك فأنا أحبك ياأبي ( عندها طأطأ رأسه وقال بصوت مكسور ) أنا فقط أريد أن أفعل ماأحب أليس هذا من حقي؟.

وقفت مصدومآ لوهلة، عاد بي الزمن إلى الوراء في أول أيام زواجي عندما بدأت أضع قوانين المنزل مع زوجتي وأذكر أنني قلت لها:

سنتقبل أبناءنا كما هم ليس بالضرورة أن تشبهنا تصرفاتهم أو أن نحب أفعالهم، ما داموا لم يخرجوا من دائرة الدين والأخلاق. علينا أن نحاول النظر للأمر من زاويتهم، فلكل واحد منهم نظرته الخاصة للحياة وله الحق في العيش كما يحب.

أجل تذكرت لقد قلت لها ذلك لكن هل طبقته فعلا؟ تأملت قليلا فاكتشفت أني لم أفعل ذلك مطلقآ، لقد كانت كلمة "لا" تجري على لساني دومآ مجرى الدم من ابن آدم عندما يطلب مني أبنائي شيئا يريدون أن يفعلوه. أذكر أني منعت فارس من لعب الكرة مع الجيران لأني أراها تافهة، ومنعت نورة من البدء بتعلم طبخ الحلويات وبيعه للناس لأننا عائلة متحضرة وما تريده يعتبر عيبآ. وغيرها الكثير والكثير

كان كل إخوته يسيرون كيفما أريد ويفعلون ماأحب أنا، لا أعرف هواياتهم بل لم أشاهدهم ولا مرة يمارسونها لقد كانوا مشغولين بممارسة هواياتي أنا!!. لم يتحدثوا معي يوما عن أنفسهم عرفت الآن أنهم كانوا يخشون ألا أتقبلهم، عرفت الآن لما كنت أرى عيونهم ذابلة ونفوسهم محبطة، كنت أظنه طبعآ فيهم، لكني الآن اكتشفت السر. لقد جنيت على أبنائي وجعلتهم يعيشون الحياة التي أحبها لهم.

لكن لازال هناك أمل ولازالت فرصة العدول عن الخطأ ممكنة. قلت له: فارس، اجمع إخوتك وتعالوا إلى حديقة المنزل الآن.

بعد دقائق اجتمع الأبناء أمامي ثم قالوا:

 هل فعلنا شيئا خاطئا، ماذا تريدنا أن نفعل.

كانت كلمات وقعها كالسم في جسدي، كان ظاهرها البر والإحسان، وباطنها نفوسآ خائفة منكسرة تنتظر أومر مني لتمارس حياتها كما أريد. وقتها شعرت أني أقف أمام روبوتات صنعتها بيداي.

هل هناك مجال للرجوع، لإصلاح الخطأ، هل أقدر على نزع الأقنعة التي أرغمتهم على ارتدائها، هل لازالت نفوسهم حية وشخصياتهم الحقيقية موجودة؟ أخشى أنه قد فات الآوان.

استجمعت قواي ثم قلت:

يزهر الإنسان مع من؟

سكتوا جميعا ولم ينطقوا بكلمة. ثم قلت:

كنت أظن أن الجواب يزهر الإنسان مع من يحبه. لكن عندما رأيتكم أمامي ورأيت الإنكسار والخوف في أعينكم اكتشفت الآن أني كنت مخطئآ.

أنا آسف نعم أنا آسف ياأبنائي، آسف لأني أجبرتكم على أشياء لاتحبونها طيلة حياتكم، آسف لأني لم أتقبل نفوسكم، وألبستكم أقنعة صنعتها بيداي، وأخفيت عن قصد شخصياتكم الحقيقية فقد لأني لم أحبها.

الآن وبعد أن أراني فارس عيناه البريئة فهمت حقيقة الحياة، فهمت أنه ليسعد الإنسان ويفرح يحتاج فقط إلى أن يمارس مايحب. كانت حقيقة بديهية لكني غفلت عنها وكلفني ذلك الكثير. لقد رسمت لكل واحد منكم صورة مثالية في رأسي وأرغمته على أن يسير خلفها، والآن سأتخذ قرارآ لارجعة فيه.

لقد محوت تلك الصور في مخيلتي أريد لكل واحد منكم أن يعيش حياته كما يحب، لا أريدك أن تحاول أن تثير إعجابي بفعل أشياء لاتحبها أو أن تخجل من فعل أشياء تحبها.

لو أحب أحدكم أن يكون سائق تاكسي ووجد فيها سعادته، سأكون أول من يدعمه ولهي أحب إلي من أن يكون دكتورآ بالجامعة وهو لهذا العمل كاره.

اعلموا ياأبنائي أني فخور بكم مهما يكن ماتفعلوه. فلايهمني إن كنت ناجحا او فاشلا بنظر المجتمع، مادمت ذا خلق ودين فامضي حيث شئت.

الحياة ماهي إلا بضع سنوات وسنلتقي بعدها في الجنة. أريدك أن تعيش حياتك كما تحب.

الآن فقط علمت أن الإنسان يزهر مع من يتقبله، وأنا الآن أتقبلكم ياأبنائي وأتقبل اختلافكم عني بل وسعيد به أيضآ.

والآن أتريدون قول شيء ما؟

نظر بعضهم إلى بعض وكأنهم يقولون أهذا حقآ أبي. ثم قال فراس على استحياء:

هل أستطيع لعب الكرة مع جارنا؟

أنا: بالطبع افعل ماتحب. وأنتي يانورة ألا زلتي تريدين بدء مشروع الحلويات؟

نورة: أجل.

أنا: إذا هيا ابدئي ولا تنسي نريد خصما خاصا للعائلة. و أنت ياماجد ألا زلت تريد العمل في أحد المحلات كما أخبرتي قبل سنة.

ماجد: بلا أريد ذلك

أنا: سأدعك تعمل عند صديقي في محل للخضار وإذا أتقنت العمل بعد سنة، سأفتح محلا خاصآ لك.

نظرت إلى أعينهم مجددآ، لقد عاد اللمعان إليها من جديد، عادت بهجتهم وابتسامتهم الجميلة، كانوا يبتسمون سابقآ لكنها كانت ابتسامة صفراء لا لون لها تخفي خلفها حزنآ. كانت حياتنا سابقا تحمل رأيا واحدآ، كنت أقول أنا ومن بعدي الطوفان، أما الآن فيقف أمامي شخصيات مختلفة وأراء متعددة. لأول مرة في حياتي يخالفني أبنائي وأكون سعيدآ بذلك.

ثم نظرت إلى فارس ورأيته ضحكا مستبشرآ وعيناه اللامعتان كانت تحكيان الكثير ثم قلت:

والآن يابني متى تريد أن نشتري لك القطة؟.

ولم أكد أكمل كلامي حتى قفز إلى فرحا في حضني.

لقد أزهر أبنائي أمامي. عندها علمت أن الإنسان يزهر مع من يتقبله.








 




















 







  • 7

   نشر في 04 يوليوز 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

الحمدلله ان الأب ادرك خطأه قبل فوات الاوان .
وفعلا " الانسان يزهر مع من يتقبله كما هو "
ابدعت
1
ابراهيم
شكرآ لك...

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا