نافذة:
(إن التخّلي عن الطموحات الكبيرة لهو نعمةٌ جالبة للارتياح بمثل قدر تحقيقها). وليام جيمس.
الجدل الذي لا ينتهي ، هو نقاشنا عن مفهوم السعادة. وكل الأسئلة التي تدور حولها؛ كيف؟ ولماذا؟ وإلى أين نريد من السعادة أن توصلنا؟
أراد والدنا "آدم" الخلود بأكله لشجرة الخُلد -كما ظن- ساعياً إلى البقاء ، متوقعاً أن هذا طريق السعادة! أو كما أتوقع أن أهداف كل أفعالنا هي السعي إلى السعادة.
تساءلت مؤخراً -وليتني لم أتساءل- عن ماكُنّا سعداء في ظل التقدّم المادي الذي لو رجعت إلى 100 سنة وأخبرت جدي الثاني عن ما نحن عليه ، لوصفني بالجنون ، كما اتهمت قريش الرسول عليه الصلاة والسلام عندما وعدها بمُلكِ كسرى وقيصر.!
وكان السؤال : هل من عاش في القرون الماضية؛ أكثر منّا سعادةً ؟ ومحاولة الحصول على الجواب ، جعلني أحلّق عالياً راجعاً إلى الوراء ، محاولاً إستقراء الماضي ، مخالفاً علماء الإجتماع والاقتصاد والتقنية في محاولتهم لاستنتاج ماهو آت.
(سأحدد التأمل في حياة الإنسان البسيط -لأنهم الأكثر حتى هذا الزمان- أو "لأننا")..
بداية الصباح : كان يخرج الراعي إلى حرثه وغنمه ، وربما يسرح ويمرح مع غنمه بعيداً عن دياره لاسترزاق لُقمَةِ عيشه. وفي المساء ؛ أحاديث بسيطة كبساطة عيشهم ، وأحلامهم المتواضعه ، لأن سقف توقعاتهم أن تنتج أغنامهم الحليب أكثر من يومهم هذا! أتوقع ذلك.
لا يعلمون أنهم يجهلون ، ولا أن وعيهم محدود ، بحدود طبيعتهم ، وربما يعرفون أن العالم كبير جداً من قصص الرحالة المنتظر رجوعهم -بين أمل ويأس- ، ولكنهم لا يملكون صور تخيليّة حقيقية تجعلهم يتصورون إتساع العالم كما هو ! وأكبر مقارناتهم أنهم لا يملكون بقرة كجارهم سعيد.
نقطة الخلاف بيننا وبين القرون الماضية ؛ أننا أصبحنا نعلم. وهذا العلم كان له ضريبة قوية. وهو السعي الدائم إلى المكانة. وهذا الأمر رفع سقف طموحنا عالياً ، وجعلنا لا نتوقف عن المقارنات ، لأن هذا العالم أصبح كقرية صغيرة جداً يجتمع في شاشة جوالك.
الطموح العالي جعلنا نصبو إلى أشياء كثيرة ، مع رفع سقف توقعاتنا. والمصيبة عندما لا نحققها ، تكون ردة الفعل أننا نزداد يأساً ، وربما نصبو مرة أخرى وثانية ، وفي كل مرة يرتفع سقف طموحنا ، ولعنة المقارنة لا تريد أن تتوقف. مما ينتج لنا عدم الرضا بما نملك.
وفي الطموح يقول عالم النفس الشهير وليام جيمس : ( إن التخّلي عن الطموحات الكبيرة لهو نعمةٌ جالبة للارتياح بمثل قدر تحقيقها. تبزغُ خفّةٌ غريبة في قلب المرء إذا ما تقبّل بإيمانٍ طيب ألَّا يكون شيئاً مذكورًا في مجالٍ محدّد. أي يوم مبارك سعيد يحل عندما نتخلّى عن كفاحنا للاحتفاظ بالشباب والرشاقة. لسوف نقول؛" الحمد لله، لقد زالت عني تلك الأوهام". إن كل ما يُضاف إلى الذات هو عبء مثلما هو مفخرة).
ففي كل مرة نسعى إلى شيء ما ، ثم لا نملكه؛ نزدادُ فقراً ويأساً.
هناك طريقتين لجعل إنساناً أكثر ثراءً ؛ أن تعطيه المزيد من المال، أو أن تحدّ من رغباته.! وقد نكون سعداء بالقليل إذا كان هذا القليل هو ما نتوقّع ، وقد نكون تعساء بالكثير عندما يتم تعليمنا أن نرغب في كل شيء. أو كما حاول أن يوصل جان جاك روسو.
الحل :
القناعة كنز لا بد منها في هذا الزمان. والطموح وقود لن تعيش حياةً كريمة بدونه. والحذر في رفع سقف التوقعات حتى لا ننصدم من الواقع. ويكون الطموح لنا نِقمة.
-
محمد الشثريخرّيج إدارة .. وأرى التأمل أسلوب حياة .. والقراءة فرضُ عين! .. والكتابة سعي للبقاء .. وأحاول أن أعيش أكبر قدر ممكن من التجارب ..✨