الإسلام السياسي قائم على التناقضات في تعريف نفسه، فهو يعرفّ نفسه بالإصلاحي والذي يأتي وفق عملية ديمقراطية من أجل القضاء على الديكتاتورية والأصولية المتفشية في الأنظمة العربية، ولكن ما يميز هؤلاء أنهم يعملون ضمن مشروع ثابت على الأرض، أدواته إثارة عواطف الجمهور الدينية، وإستخدام الدين لتحقيق السياسة، وتوظيف القراءات الفقهية في معارضة النظام القائم، مع العلم أنهم أيضاً يعرّفون أنفسهم بالإعتدال وإحترام الآخر وتقبل الغير والشراكة في مجتمع قائم على أساس التعددية السياسية وغيرها من هذه المفاهيم التي يكاد الناظر إلى حالهم يؤمن بأنهم لم يمارسوها في داخل أحزابهم .

وفي الحقيقة أن حركة حماس كحركة إسلامية في المجتمع الفلسطيني جاءت في ظروف إستثائية ولكنها مشابهة تماماً من حيث الفلسفة بالفلسفة التي تقوم عليها تيارات الإسلام السياسي من رفض وتكفير للآخر، ومن قمع للمعارضة ومن شيطنة للوضع السياسي وإبتكار نظريات المؤامرة على الدين، وإقامة التحالفات خارج النظام السياسي الرسمي، وخلق الفجوات القانونية بين السلطات الثلاثة، أي بمعنى أنه لا يمكن أن تحكم هذه الحركات إلا في جو عارمٍ من الفوضى وسلطة القوة وهيمنة القمع والعشوائية في إتخاذ القرار وهذه حقائق يمكن للجميع رؤيتها وتحليلها، لكن الغريب أن حماس لا زالت وبعد عشرة سنوات من حكمها لقطاع غزة تنتقد الأنظمة العربية " الديكتاتورية " و " العلمانية " .

فما الذي تفعله الأنظمة العربية ولا تفعله حماس ؟

لدى حماس منظومة أمنية إستخباراتية قائمة على زرع الخوف من التعبير عن الرأي في المجتمع الذي تحكمه، وتعد هذه المنظومة معقدة ومتشابكة أكثر من أي نظام عربي، كون قطاع غزة ديمغرافياً وجغرافياً يمكن السيطرة عليه أمنياً .

الإستبدادية التي يمارسها جمهور حركة حماس على الجمهور المعارض بعيداً عن القانون وبعيداً عن أحكام القانون، على سبيل المثال كل عضو في حماس هو عضو أمن حكومي يستطيع إعتقالك ويستطيع تجريمك ويمكن له أيضاً أن ينفذ فيك العقوبة في ذات الوقت وهذا ما تفعله الأنظمة العربية أي بمعنى أن أبناء الحزب الحاكم هم أبناء الحكومة وصانعي القانون .

يعاقب قانون حماس معارضي حماس السياسيين والمختلفين معها أيدلوجياً بينما لا يعاقب قانون حماس المؤيدين لها والمنتمين إليها فكرياً ودينياً وهذا تماماً ما تفعله الأنظمة العربية .

تمارس حركة حماس من خلال المنظومة الإعلامية الخاصة بها سواء بشكل رسمي أو غير رسمي كافة أشكال المدح والتدليس ونفي الحقائق وتغيير الواقع وتعمل دوماً على إخراج حماس وحكمها لغزة على أنه الأفضل وهذه تماماً ما تفعله الأنظمة العربية .

تمارس حركة حماس تطبيق الأيدلوجية الخاصة بحزبها على المجتمع كافة من خلال أجهزة الحكومة والسلطة وهذا تحديداً ما تختلف به حماس مع الأنظمة العربية، وهذه قمة التناقض الواضحة، يطالبون الحكومات العربية بإعطاء الحرية للإخوان المسلمين في مصر وسوريا ودول الخليج بينما هم يمنعون كل من يخالفهم فكرياً وأيدلوجياً من ممارسة حريته السياسية والدينية والفكرية في غزة ؟

تعترض حماس على أسلوب القمع الذي تمارسه الأنظمة العربية الديكتاتورية بينما لا تسمح هي لأحد بالخروج للتعبير عن رأيه وإن خرج أحد فمصيره القتل والإعتقال ومواجهة الضرب المبرح من عناصرها، والقمع لا يقتصر على النزول إلى الشوارع بل أيضاً الكتابة على مواقع التواصل الإجتماعي وخلق التجمعات الإلكترونية يعرض صاحبها للملاحقة .

تنتقد حركة حماس الفساد في الأنظمة العربية والفلسطينية بينما هي أكثر الحركات الإسلامية التي " إسترزقت " بإسم الدين وبإسم القضية الفلسطينية وصار لكل قادتها قصور عاجية وسيارات فارهة وحراسات خاصة ولأبنائهم فتحت أبواب الجنة والشعب في الطبقة السفلى يبحث عن قوت طعامه .

...

إذن كيف يثق المواطن العربي والفلسطيني بالإسلام السياسي الذي يطرح نفسه بديلاً عن الأنظمة العلمانية العربية القائمة ؟ كيف يمكن له أن يثق بإصلاحيته ؟