نهر الدانوب النهر الجميل الذي يعد سمفونية العواصم الأوروبية و إحدى أجمل ألحانها السرمدية لأن أوتاره تعزف على عشر عواصم أوروبية كبيرة و مدنٍ أخرى لا تقل أهمية منها في هذه القارة العجوز المترامية الأطراف ، لم أسمع هذه السمفونية من قبل إلا أنني استمع الآن إلى واحدة من أعذب مقطوعاتها في مدينة أولم الألمانية الذي يعد الدانوب إحدى أجمل ملامحها البهية .

النهر هو مقطوعةٌ خالدة عزفتها الملائكة في السماء فاستمعت إليها الأرض فقررت وشمها على نحرها ليتشكل حولها عقدٌ فريد من المدن الكبيرة التي تعد لآلئ مضيئة عبر التاريخ .

إنه الشتاء منتهى الفصول و مبتدأ الأعوام به تحلى القهوة و قراءة المانشيتات على عتبات المقاهي و يلتقي فيه العشاق تحت المظلات التي يتقاسمونها في الطرقات و الأزقة القديمة على وقع الموسيقى و زخات المطر و تكتسي به الأرض بالبياض و تلتحف الجليد لتتطهر من خطايا البشر .

أقف الآن على حافة الدانوب و استمع إلى مقطوعة "عندما يأتي الشتاء" للموسيقار الهولندي "آندريه ريو" و أرى النوتة الموسيقية أمامي تعزفها النوارس في الهواء بتناغمٍ مع حركة البط على الماء و الأجمل من ذلك هو إيقاع زخات المطر التي اتخذت من النهر لوحةً بيضاء تنقش عليها أنشودة المطر .

لم أرفع رأسي إلى الأعلى لأرى القمر لأن إنعكاس البدرِ كان كافياً لخلق مساحةٍ من الجمال لناظري ، وقفت للحظة و أغمضت عيناي و أخذت نفساً عميقاً كان كافياً لتسمو به روحي إلى ذلك القمر البعيد و تتجسد به لتشكيلِ حالةٍ من الإنسجام الروحي بيني و بين البدر المنير .

أولم في الخامس من تشرين الثاني عام 2017 .