استراتيجية الحرباء ! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

استراتيجية الحرباء !

  نشر في 12 أكتوبر 2017 .

من النظريات الغريبة التي سجّلها جورج تايلور الإقتصاديّ بجامعة بنسلفانيا قبل أكثر من ثمانين سنة ، ما يعرف بمُؤشر هيملاين ، هذا الأخير الذي يوضّح أنّه كلما كان إقتصاد الدولة جيدًا كلما زاد قصر فساتين و تنانير الفتيات ، و كلما كان سيئا زاد طولها !

تايلور هذا ، لو كتب له أن يتنفّس شيء من أكسجين هذا البلد ، لفهم أن التعميم من أكبر الأخطاء الشّائعة ، و أنّه من الممكن أن نغرق في الأزمة الإقتصادية وأن نُسجّل عجزا مُهما في الميزانية و يظلُّ بشوارعنا نساء يتسكّعن بتنورات و فساتين قصيرة .

و حتما لن نطلب من هؤلاء النسوة أن يُطيلوا قليلا من أثوابهنّ فهنّ لا يعلمن شيء عن مُؤشر تايلور و إن كُن يعلمن الكثير عن مبادىء الشريعة التي يدينون بها !

فالتّعري بزماننا صار يشبه استراتيجية الحرباء ، إذ تجد نفس الأمر قد يكون مُسلّما به في مكان ما و محرّما و منبوذا في مكان آخر ، فالعُري وسط المدينة مجون و في البحر استجمام و أُصول و في التلفاز فن و استعراض و في رمضان خلاعة و ابتذال ..

و هكذا حين ستتأمل حجم التناقضات التي يعلقُ فيها العقل البشري ستدرك أن قصر نظرنا هو أولى بالإطالة من فساتين نسائنا ..

و العري هنا لم يكن سوى خزعة صغيرة من حجم التناقضات التي تنخر جزء مهما من قيمة وجودنا .

فهاهي معظم القنوات التلفزية تسهم بشكل كبير في تشجيع ثقافة التناقض الذاتي و تضمن لنا بذلك تذكرة مدفوعة الأجر لنبتعد بفكرنا عن التفكير !

فمُصيبةُ ما يُعرض من مُسلسلات و أفلام على قنواتنا مثلا ، أنها تجعلك كالحرباء تتكيف مع بعض الأمور و لو كنت بحقيقتك أوّل من ينصب لها العداء و النفور ، تجعلك تتعاطف مع البطلة التي تركها البطل و هي حامل و تنسى أنَّ حملها غير شرعيٍّ و أنها زنت و ارتكبت فعلا يُعدّ فاحشة بديننا ..

و تجد البعض يتعاطف مع الفتاة التي تبكي بطريقة تحزّ في النفوس بعد أن منعها أبوها من الخروج لسهرةٍ ليليّة مع أصدقائها و تنسى أن العقل و المنطق السليم يفرض أن لا تخرج الفتيات ليلا ، لأنّنا لسنا مجتمعا مُتحررا بطبعه و لا دينه و لا حتى عُرفه ..

و تجد البعض أمام هذه المُسلسلات يذرف ما طاب له من الدموع على أحبّة قسَم بينهم الفراق وينسى أن حبّهم تخلله عشق وغرام و أشياء لا يرضاها لنا الرّحمن ..

فخطر هذه المسلسلات و الأفلام أنها تجعلُنا نتبنّى أفكارا ليست لنا نحن ، نُسلّم بأشياء لا نرضاها و لا نحتاج قواميسا لنشرح معناها ..

خطورة هذه الرَّسائل التي يتفاعل قسم كبير من المشاهد معها أنّها دامغة تتسرَبُ لأدمغتنا وتجعل برمجتها على بعض الأمور عملية تفاعلية سهلة ، و طبعا يبقى للموسيقى و الحركات ،الدَّمعات و الكلمات نصيب الأسد في جعلها تبدو شرعيّة !

و خطورة المناخ غير الصحي الذي نتنفسه و لا نُعمل معه في ذلك أبسط قواعد الإدراك التي يفرضها منهج الإستدراك ..أننا لا نعي بعد مدى خطورته و نتعامل معه على أنه ظاهرة بشرية معقّدة ككل الظواهر الأخرى التي لا تعيق استمرار التكاثر على هذا الكوكب ..

و الأمر لا يتعلق فقط بالمبادىء و المواقف ، بل حتى بالإعتبار المعتدل لذواتنا ، فبمجرّد أن تأخد مناقشة هذا المقال بحساسية نوعية أو تدّعي أنك قد توافق بعض التوجهات بتحفّظ نسبي أو تتكهرب خلاياك عند البدء في طرح وجهة نظرك بسرعة فورية ، كن حينها على يقين أنّك حجزت مقعدا ما بين الضفتين ، فلا أنت بالجانب الشفاف و لا بالجانب المعتّم .. لأنك بالحقيقة تكون حينها على أرضية مشوهة يجتمع فيها طرفي نقيض ..

وفي الختم ، العالم مكتض بالبشر .. كن أحد الأحياء !


  • 3

   نشر في 12 أكتوبر 2017 .

التعليقات

أقباس فخري منذ 7 سنة
مناقشة موضوعية متسلسلة لأزمة "العاطفية" خارج محلّها. أعجبتني لغتك الراقية. بوركت.
2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا