ما بين رحيل سنة ومجيئ اخرى يتغير كل شيئ يتغير العالم من حولنا ومناخه وأنظمة الحكم ، وموازين القوى والعلاقات, وتتغير ملامح اجسادنا ومداركنا وقدراتنا وتفعل بنا التجارب لعبتها الخفية بمؤامرة مع الزمن الصارم لتدنينا من أفكار ظلت طي الكتمان..أفكار يترقبها البعض، ويصطدم بها البعض الٱخر، في حين ان البعض اختار وجهة اخرى بعيدا عنها وجهة الحرمان والرضوخ للجهل والتأخر فتعالو بنا نرى في اي وجهة نحن في علاقتنا مع مصير يخاطب كل ظمائرنا...
حين نبلغ السادسة والعشرين فما فوق يثور علينا الواقع ويحاسبنا الماضي بحاضره ويمارس علينا المستقبل سلطة خفية تنغس علينا متعة التفاؤل وتستعجلنا لمصير لا بد منه، سلطة المستقبل لا يحسها الا العاقل ..بوقفة تأمل على عتبة الحاضر..نرى الوالدين يدنوا الشيب من رؤوسهم دون استئذان وتخاطب التجاعيد في وجوههم وجداناتنا بنبرة صارمة..ونلامس العجز يدب الى قواهم صباح مساء وٱمالهم فينا تكبر اطنانا مع كل سنة..في حين نحس نضج قدراتنا وشدة عظامنا وقوانا واصبح تفكيرنا أكثر رجولة..ونحن نتأمل قسمة واقعنا هذا..نفتح باب الماضي فتنجرف بنا الذكريات الى الصبى وفي تعدادنا للسنين نعجز كما تعجز اللغة عن احتواء قيمة ما فعوه لاجلنا، وما تحملوه من عنت لصالحنا..وهكذا نخلص الى ان كل شيئ تغير -الا واقعنا- لنفتتح الباب على مصراعيه لفكرة "رد الجميل'' التي صنعتها خلفياتنا وقبلناها بصدر رحب..لنصدم بمجيئها اخيرا بخطابها الاخلاقي وبتفاعل مع ضميرنا المأنب وتعاكسها فكرتنا الانانية والمحتومة..التي تكبر بدورها يوميا، اختزلنا لبناتها في معنى من معاني "الاستقرار"، وهنا درجة اخرى من مدارج الاختيار ، ماذا سنختار..مستقبلنا الشخصي او واجبنا الاخلاقي..!! وفي خضم هذا التأمل نكتشف تغييرنا وانتقالنا لمرحلة من مراحل حياة الانسان هي بداية رحلة مبهمة..للنضج التام..هنا حيت تعي مالك وما عليك.. معها تتغير نضرتنا للحياة..بما فيها، ونثور على امور جمة وعديدة كانت رفيقة العيش لمدة مديدة..لتدفعك الى امور اكثر عقلانية ووضوح..
احيانا نكون سائرين في وجهة مٱربنا الصغرى فتتغير الوجهة رغما عنا، ويأبى القدر الا ان يولينا جهة لم نكن لنختارها حين ذاك.. ليقف بنا قطار الحياة وجها لوجه امام واقع محتوم، بدون وقود ولا قوى ولا سابق انذار..لنصطدم بفكرة تحمل المسؤولية وادارة الشؤون لنكون بذلك مركز المسائلة من ضمائرنا وممن حولنا...
هي الحياة هكذا فبريق الطفولة وروعتها ما هو الا نفحة نستقبل به الحياة لنألفها ونخضع لمشيئة الخالق..هنا حيث يفرض علينا واقعنا فكرة رد الجميل أو فكرة المستقبل حسب مفهوم كل واحد فينا. فتكون انعكاساتها علينا اشد من انعاكسها ونحن في بحث عنها..حين نفقد معيل الاسرة..حين نفقد بر الامان..جين نسقط في فخ حب احداهن..حين نرمى للوحدة والعزلة..حين نستفيق من غفلة مجنونة..حين نحرم من المادة المخدرة..هنا حيث سنتصادم مع الفكرة..التي كانت خارج الوعي،او كنا نؤجل الخوض فيها..
قد لا يهم هذا الخطاب البعض أكثر مما يهمنا وقد لا يستسيغه بعضنا اوقد يكون الواقع ارحم ببعضنا عن بعض، وقد يلامس هذا التعبير ما يجول بخاطرنا، وقد يؤتي غايته بايقاضنا من غفلتنا، ربما للحضة فتستمر الغفلة من جراء ضعف ارتضيناه، وقد يجعلنا في اعتكاف لاستجماع عظمتنا كانسان وننطلق للامساك بزمام الامور قبل ان تصدمنا بتحكمها المحتوم..
قد تقارب التلاتين من سنوات عمرك وما زلت تحت امرة والديك ومصروفك في عهدتهما وعاجز عن اي مبادرة تجعل منك رجلا في اعينهما دون نفاق, اذا كنت على هذا الحال فاسأل الله رشدا وعزما وابدأ بتجارة وان على الرصيف ^الفراشة^ فانها تصنع رجولة فريدة ..
فلنا ان نبحث عن ذواتنا وعن تفاعلنا مع الفكرة المصيرية في وجودنا هل نحن ممن يعدون العدة لاستقبال الفكرة ومجاراتها وترويضها ام نحن من الذين سيصمون اذهانهم عنها وينتظرون الفكرة لتصدمهم ام نحن ممن يقدسون الجهل ويرضون العيش على جنبات الحياة ورفاتها..نخسر الدنيا وما فيها، فالفكرة هاته مثل الموت الذي نخشاه..وهو ملاقينا أينما كنا.
-
حبيب أحمدعمري 24 سنة طالب جامعي وهوايتي الكتابة