(1)
كان يحب الرياضات الميكانيكية، معروف بمهارته في قيادة السيارات والدرّاجات النارية... فرح عند تعيينه بشرطة المرور، وكان يريد أن يضع مهاراته تلك في خدمة الشرطة... سألته بفضول: "ولكن لماذا استقلت من وظيفتك إذن؟"... ردّ باشمئزاز: "لأنّني لم أجد فيها ما كنت أتوقّعه من إثارة... تخيّل أنّ كلّ من تشير عليه بالتوقّف يتوقّف فورا، حتّى مهرّبو البنزين... إنّهم يغافلون القانون لأنّهم لا يقدرون على مخالفته. هكذا يحرمونني من متعة المطاردة وبدل ذلك يقرفونني بعرض رشاوي تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع... خفت أن أتحوّل إلى راعي بقر يفرغ مسدّسه في رؤوسهم، فاستقلت..."
(2)
عند توظيفه في جهاز الشرطة تمّ تعيينه في فرقة الخيّالة. ورغم أنّه لم يكن قد ركب حصانا قبل ذلك ولا فكّر في الأمر، إلاّ أنّه فرح بذلك التعيين، لأنّه كان معجبا بالفروسية التي طالما حضر عروضها في زيارة سيدي تليل السنوية...وسرعان ما ألف الفرس التي أسندت له، ودخل معها في تواصل خفي وقوي. صار يحسّ عصبية الحصان تنتقل إلى جسده كتيار كهربائي كلّما ركبه... كأنّما كان يجري في شرايينهما دم واحد... كان الحصان يحييّه بشخير مميّز كلّما أطلّ عليه في الصباح، فيردّ عليه بالمثل مبتسما، ثمّ يمرّر كفّه على رقبته الملساء فتهتزّ جلدة الحصان وتتقلّص ثم ترتخي كامرأة غلبتها الشهوة... لكنّه كان يتألّم لأمرين. أن يترك حصانه كلّ ليلة في ذلك القفص المعني ويغادر العمل، وأن يراه حبيس ذلك القفص أغلب الوقت. ففيما عدا الهرولة وراء جماهير الكرة يوم الأحد، لم يكن يستمتع بركوب الحصان... كان يرأف لحاله ويحسّ بألمه بسبب أرجله المعطّلة عن مهامّها الطبيعية... أفاق الناس ذات يوم على خبر أنّه باع حصان الشرطة وتجاوز الحدود إلى إيطاليا حاملا معه المسدّس
.
(3)
طويل كسارية، عريض الكتفين، مفتول العضلات، غليظ الرقبة كثور وحشي... تكاد والدته تزغرد كلّما رأت صورته في نشرة الأنباء وهو يقف وراء رئيس الدّولة بنظارته السوداء مديرا عنقه كرادار ذات اليمين وذات الشمال ليغطّـــي زاوية محدّدة... يناديه أولاد الحومــة البوديغارد، ويتقرّبون منه... لكنّه لا يحدّثهم عن شغله أبــدا... ملّ رتابة هذا العمل الذي حوّله إلى إنسان آلي صامت... كان العرض مغريا جدّا فاستقال من شغله ليلتحق بعمله الجديد... ربّما ستتاح له الفرصــة مع رجل الأعمال كي يثبت كفاءته المهنية...
(4)
متقاعد من جهاز أمن الدّولة... مرتاح الضمير، ولكنّـــه خائف... خائف؟؟ ممّ؟ ولماذا؟ نعم، نعم خائف من سوء الفهم... كيف يفهمهم أنّ كلّ ما فعله كان في نطاق العمـــل؟ كيف تريدونه أن يستنطق الموقوفين؟؟ هل تراه سيقدّم لهم القهوة والسجائر ويتجاذب أطراف الحديث معهم؟! كان لمّا يفرغ من عمله في أقبية وزارة الداخلية ومركز القرجاني، يعود إلى البيت فيستحم ويتغدّى وينام.... ثم يستيقـــظ في العشية ليشرب قهوة ويزور أصدقاءه وأقاربه، فيواسي المرضى ويهنّئ الناجحين والمتزوّجين وقد يحصل أن تفلت منه دمعة وهو يشاهد لقطـــة مؤثّرة في مسلسل السهرة... لكنّه من الغد، يذهب إلى مكتبه ويستأنف العمل بكلّ تفان وإخلاص...