الوالدين ،اكثر المخلوقات التي اوصى الاسلام برعاياتها والاحسان اليها ايما إحسان،انهم التمثل الاسمى لصفة العطاء و التضحية،حنان الام و نبراس دعاءها و كفاح الاب و اجتهاد المجد،انهم ببساطة كيان تعجز الكلمات عن وصف جميل وجودهم وفضلهم علينا.
لكن للاسف مانراه في واقع مجتمعاتنا يعكس عمق التمزق الاخلاقي و الخلقي في تعاملنا معهم ،كيف لا و المجتمع يعج بدور العجزة ،مما لايكفل التكريم المنشود لهؤلاء الاباء و الامهات،لقد بلغ البعض منا درجة من النكران و الجحود ليقذف بالسيدة التي حملته تسعة أشهر رهقا في ملجأ،ان يتنكر لوالد افنى عمره في الكد و الكدح لصالح فلذات اكباده ليكون تقاعده نفيا في دار العجزة،اي تقدم ننشده في دولنا و مجتمعاتنا مادامت كرامة الوالدين ادنى مايهتم به،ان هذه الظاهرة والتزايد المهول في تعداد ساكنة دور العجزة دليل قاطع على انهيار منظومتنا الاخلاقية،ابتعادنا الصريح عن تعاليم الدين السمحة،غياب شامل للانسانية و الرحمة؛لن نصنع مجدا بالتنكر لمن ضحوا بانفسهم من أجلنا،قد يجوعون لنأكل وقد يرضون بالاسمال البالية لنبدو في ابهى حلة،لامعنى لهذه الصرخات الحقوقية و الديباجات والقوانين مالم يكن رد الاعتبار للوالدين اهم مطالبها ،بل في نظري وجب معاقبة كل من سولت له نفسه رمي ابويه في دار العجزة،ان التشردم و حالة الشتات التي تعيشها مجتمعاتنا العربية مردها إلى انقطاع العقد المتين في علاقاتنا الداخلية وعلى رأسها الوالدين.
لا يكاد يصدق عقل كيف يمكن ان يمتلك المرء مركزا اجتماعيا مرموقا وتسول له نفسه ارتكاب فعل بفضاعة التخلي عن والديه،ولايكاد يصدق كذلك كيف يمكن لرجل ان يكرم زوجته و يتخلى عن من تحملته في سبيله سهر الليالي لتؤنسه في مرضه ،وتحملت الام الوضع ليرى الحياة،انها متناقضات كثيرة تعكس بصفة كلية الوضع السيء لقيمنا الاخلاقية،ان المجد وسمو المرء في عمله لا قيمة لهما ان انكر فضل الوالدين و اضعف هذا الفضل ان تسأل نفسك كيف خرجت لهذه الحياة؟؟،ان النهضة التي عكست هيمنة ومجد امتنا في يوم من الايام لم تكن وليدة الفراغ او معجزة بل كانت نتاج منظومة أخلاقية سامية،ما ان ابتعدنا عنها حتى صرنا في قاع التصنيفات العالمية على مستوى جميع المؤشرات الحيوية ،لان الاخلاق ابلغ من ان تكون مجرد تمثل سلوكي او لفظي بقدر ماتعكس سيرا على نهج النماء و الخير .