ساعة جدي القديمة تحمل ساعتي فوق عاتقيها، كما كان يحملنى دائمًا..
لا أنسى أي ذِكرى له، فكل الأشياء من حولي مرتبطة به، طفولتي بأكملها، أكبر لحظة تلو الأخرى وهو أمامي، أمامي وقدوتي.
فى الحقيقة أنني لم أرى أطيب من ملامحه وطِباعه، روحًا طيبة لم أجد مثلها أبدًا. رأيت فيه تحمل المسئولية بكل حب، وتأدية دور الأب بأجمل وجه يمكن رؤيته، والشعور به.
أيقنتُ معنى الأب الروحي لأنه جدي، كل ما فيالأمر أنه لم ينجبني فقط! لكنه حمل كل صفات الأبوة، يمنحني الشعور بالأمان بمجرد وجوده فى مكانٍ ما. أحب أبي؛ جدي، أبي الحقيقي الذي غمرني بحبه، جعلني أفخر بأني حفيدة وابنة أعظم رجال الكون.
كُنا نجلس سويًا بالشرفة صباح كل يوم، يحملني ويضعني على جدارها وهو مُمسِك بي بشدة وبسمته الجميلة تُزَيِّن وجهه، تشعرنى بالإطمئنان لدرجة أننى لم أتذكر الخوف قط حينها، نضع معًا الأرز كي تأتي الطيور وتأكل أمامنا.. حين أرغب فى النوم يحملني برفق ورأسي على كِتفه، ويسير بين جُدران الغرفة، يُغني مقاطع من تأليفه مع ذِكر اسمي بينها، إلى أن يأتي لعينى النوم.
سرير جدي كان الأمان، إلى الآن هو كذلك لكن ينقصه أغلى ما يمكن وصفه، جدي.
تؤلمني ذِكراه على قدر جمالها، يؤلمني قلبي حين أتذكر مهاتفته هو وأجمل إمرأة فى الكون "جدتي" لنا لكي نأتى لهما، حين نغيب أقل من ساعة عنهما، ونحن أيضًا كنا كذلك، لا نتحمل البُعد دقائق، الآن أصبح البُعد رحيل من سنين، وتتألم قلوبنا بصمتٍ تام، تدمع أعينَّا سِرًا، ونقصد ألا نبكي أمام بعضنا البعض.
شعور لم يكُن وصفه، الدمع والكلمات تحتبس فى صدري، أختنق، لم أعلم لأى سبب هذا، لشدة الشوق؟ أم لشعوري الشديد بالعجز، أم لأننى مهما كتبتُ لن أقدر على التعبير!
أشتاق لرائحتهما، لسماع أصواتهما تدفئ جدران البيت، العِناق الذى لم يأتِ مرة أخرى، كل الكلمات، اللحظات الغنية بوجودهما، ضحكاتهما، وكلامهما معاً، الحنان الذى يساع السماء والأرض.
جدو وأنَّة..
هل يمكنكما الرجوع لدقائق؟ أحاول تبسيط الأمر لكى يزيد الأمل، لكنى أراه يبعُد، ويأخذ قلبي معه، يا من تناغمت روحي بكما ثم رحلتم بها، بلا رجوع، أريد سماع اسمى بصوتكمها، تلك النعمة الكبيرة، كانت نعمة كل يوم أن نصبح مع وجودكما فى البيت، انتما البيت والسَكَن الذى قدر وبشدة إحتوائنا جميعًا، قلبان تآلفا وتحابَّا، ثم أنجبا أبناءً وأحفادًا يعشقوهما، والآن نحن نشتاق يا أجمل هدايا الله، رحمكُما الله وجمعنا بكما فى أعلى الجنات.
رائحة الدفئ الجميل.
إلى جدي وجدتي، وأرواحهما الطاهرة.
-آلاء السقا
٢٥ يونيو ٢٠١٨
-
Allaa El SaqaJr writer, Artist, Self production design taught - Psychology student at faculty of arts and humanities Author of شيروفوبيا، فى كتاب المواهب الأول " كان هنا يومًا ما " مع دار إنسان للنشر والتوزيع.