تندرج في خبايا الانسان النّفسيّة موجّهات و معلّمات.تختلف عن تلك الّتي يراها بعينيه. ولكنّها تمدّه بالكثير، وتجعله انسانا بامتياز.و من بينها " الضّمير". هذا المعلّم الّذي يهبّ ليحاسب تلميذه على أخطائه المرتكبة في حقّ نفسه و غيره.و يعدّل سلوكه و يقيم الضّوابط لنفسه فلا يتركها تهوى من القمّة الى القاع.

الضّمير ، معجزة من معجزات اللّه في خلقه،لا تخصّ عددا من البشر بل كلّهم، وهي الّتي تجعل المجرم اذا ما صحا من غفوته و اكتشف ما فعل يرتعش و يبكي و لكن بعد ماذا أيّها الانسان؟

عندما أجلس مع ذاتي ، و أرى ما هو العالم عليه، أقول في نفسي: كيف يسمح الانسان أن يفتك بأخيه تحت وطأة النّار و الدّمار؟ كيف يجوع الأطفال في مكان و يتباهى البعض بافساد نعم اللّه على الملأ في مكان آخر؟..فيال سخرية القدر، ويال تفاهة الانسان عندما يموت الضّمير.

و لكنّني اعود و أتذكّر أنّ الطّفل الجائع هو مسؤوليّة من وضعه في ذلك الموضع، وحرمه من الأكل و الدّفء و التّعليم و المرح و العيش الكريم..ثمّ أقول بل و مسؤوليّة كلّ انسان في قلبه رحمة. أمّا ذلك الّذي يعتقد أنّه عندما يبذّر أو يتلف شيئا ثمينا على الملأ  مثلا قد أتى بفعل فريد من نوعه ليس سوى شخص يشعر في داخله بالنّقص فيحاول تعويض تلك الدّونيّة النفسيّة بتصرّف من هذا النّوع. فلو كان تبرّع به لشخص محتاج لوجد ه مخبّأ عند اللّه في ميزان حسناته، و لكنّه أحرقه لأنّ الضّمير قد صار من ورق.

رأيت فيما سبق أشخاصا بضمائر ورقيّة ، و أتصوّر أنّكم أيضا شهدتم هذا الصّنف الملتوي من البشر. أولئك الّذين لا تتحرّك ضمائرهم أمام خطأ ارتكبوه، فيسرقون و ينهبون، و يكذبون و يخونون الأمانة حتّى تشمئزّ منهم البشريّة ، ولا يؤتون البركة في فعل يفعلونه بعد ذلك.

فلتعلم يا أخي الكريم، أنّك انسان سويّ و طيّب مادام لديك ضمير يحاسبك كلّ يوم على ما تفعل. فاذا سكت ضميرك عن الكلام ، ابحث عنه في خبايا نفسك، فقد يكون ولّى راجعا بسبب طغيان القسوة عليك.. لاتسمح ، اذن، للقسوة بالولوج الى قلبك و تفكيرك. و أفسح المجال للضّمير فانّك و اللّه اذا حكّمت ضميرك الانسانيّ لن تخيب أبدا.