التطبيع وتمرير الصفقات - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

التطبيع وتمرير الصفقات

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 11 يناير 2020 .

التطبيع وتمرير الصفقات

هيام فؤاد ضمرة..

سنتحدث عن صفقة الغاز الأخيرة والصفقات التجارية والمشاريع المشتركة القديمة والجديدة مع إسرائيل التي تطبق بصمت وبكثير تكتم وأحياناً مصاحبة لجملة أكاذيب وتبريرات حين تتكشف الحقيقة، اعتمد في إعلانها العرب بطرق التسريب الهين من تحت عقب الأبواب، فمن الواضح أن أصحاب القرار العرب وجدوا أنفسهم مجبرون أن يكونوا بكامل انبطاحهم ووجوههم بالقاع، فمؤتمر وارسو الدولي الذي عقد لبحث قضايا الشرق الأوسط ومواجهة استفزازات ايران من خلال تشكيل تحالف عربي اقليمي عسكري، كان في صميم حقيقته تطبيق صريح لمعاهدة تطبيع علنية مع دولة الاحتلال، لم يعد مجزياً تسريبها بسكون ومداراه وإحاطتها بالتبريرات الكاذبة، وبذلك نجح في فرضها ترامب ونال عنها صك البراءة ونام في ملاذه هانئاً قرير العين لا يلوي شيئاً، فقد سحب كل فيَّش البوكر ناحيته وأعلن فوزه

صفقة الغاز الأخيرة بين إسرائيل والأردن ليست بالجديدة، ويبدو أن القيادات العربية تعتمد على مقولة نتياهو أن شعوبهم لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون، ولهذا أستغرب هذه الأصوات المعارضة هنا وهناك في هذا الوقت بالذات وكأنهم خرجوا للتو من القمقم.

الصفقة أبرمت فعلياً عام 2015م كجزء من الترتيبات التي تتطلبها استراتيجيات صفقة القرن التي تسير اجراءاتها بهدوء تام، وكل خطوة يتم الإعلان عنها في الصحف الرسمية دون إثارة، باستخدام لغة غير مشبوهة لا تثير الشبهات، وهنا يكمن الذكاء الإعلامي الشريك، الصفقات كثيرة وتطول كل الحكومات العربية من خلال خطة أمريكية إسرائيلية مشتركة تعمل على تأسيس (المحور المعتدل من دول العرب) في الشرق الأوسط لربط هذه الدول بالمشاريع الحيوية مع اسرائيل، والذي تسعى أمريكا بالشراكة مع دولة الاحتلال لتأسيسه بهدف ربط مصالح اسرائيل الحيوية بمصالح الدول العربية الحيوية، ليس فقط المحيطة بها وإن ابتدأت بها، بل مع كافة الدول العربية قريبها وبعيدها، ليصبح الوجود الاحتلالي الصهيوني في فلسطين واقعا مفروضاً، يأخذ صفته الشرعية بحيث لا يمكن تغييره أو المطالبة بتحريره، وتصبح بالتالي دولة الاحتلال جزء أصيل من دول الشرق الأوسط وليس دولة محتلة كما هي الحقيقة، وتذوب كلية القضية الفلسطينية، والوطن الفلسطيني، فلا يعود هناك مطالب، ولا جهة نضالية تسعى نحو التحرير، وعلى هذا يجري محاصرة القطاع بدعم عربي راضخ لاركاع المقاومة فيها لقبول الواقع الجديد الذي وافق عليه كل العرب.

هذه الاستراتيجية وضعتها اسرائيل بالتعاون مع حكومة الولايات المتحدة كخطة محكمة لمستقبل منطقة الشرق الأوسط، لتفرض هيمنتها على الدول العربية وشعوبها، فتحقق مصلحة لا يمكن فصلها، وتقيم عقود تجارية، وعقود تبادل تجاري، وزراعي، وطاقة، وكهرباء، وماء، وسياحة، يقوم جميعها على أسس يصعبُ فكها لتصبح المصالح الحيوية مشتركة مع دولة الاحتلال، وليتم قبول الشعب اليهودي جارا حميماً للشعوب العربية،

وكان حقق الجانبان العربي والإسرائيلي تقدما كبيراً في هذا المجال، منذ وقت ليس بجديد، بدأ العمل به مباشرة في أعقاب توقيع معاهدة السلام، وتم فتح الحدود التجارية مع مصر والأردن للحركة التجارية، وتبادل السفارات وتبادل الوفود الرسمية لاستكمال عملية التطبيع مع دولة الاحتلال،

وتم وضع خطة تم الاعلان عنها عام 2007م لمشروع قناة البحرين لجر مياة البحر الأحمر باستخدام آلات شفط عبر قناة تخترق قمم الجبال لانزالها بشلالات إلى البحر الميت لرفع منسوب المياة فيه لتعرضها للتراجع بسبب عمليات التبخر وتوقف استقبالها لمياة نهر الأردن ومياة السيول التي تحولت إلى السدود، واستخدام مجرى هذه القناة لصناعة مساقط مياة (شلالات قوية) تشغّل عليها محطات لتوليد الكهرباء مشتركة وتركيب مصانع تصفية مياة للشرب والاستخدام المنزلي، وكان قد تم افتتاح محطة كهرباء مشتركة في الأراض المصرية افتتحها قادة مصر والأردن وإسرائيل في وقت سابق لتزود دولهم الثلاثة بالكهرباء،

وأيضاً يتطلب هذا المشروع التدخل بالمناهج الدراسية، والمصطلحات المستخدمة ورفع كل ما من شأنه الإساءة لدولة الاحتلال واليهود عامة من المناهج التعليمية، ومراقبة كتاب الاعمدة أخبار الصحف وإخفاء صفة العدو واحلال مصطلح الجارة والصديقة، ووقف تداول الآيات التي تمنح اليهود أوصافاً تقلل من قيمتهم.. أي بمعنى التطبيع الكامل الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي والعسكري والتجاري، بمعنى إحداث انقلاب كلي في الطريقة التي يفكر بها العرب تجاه اليهود واسرائيل.

في عام 2009م كان صدر تقرير عن مركز الكونجرس للابحاث في عهد أوباما بهذا الشأن ركز على أهمية التطبيع الاقتصادي بين اسرائيل والدول العربية بعيداً عن شروط التسوية، وضرورة أن يتأسس هذا التطبيع على منهج ربط المصالح الحيوية بينهما، وإحداث عملية انقلاب جذري فكري للنظرة العربية تجاه دولة الاحتلال، لينقلب وصفها من دولة عدوة إلى دولة جارة وصديقة، فيوفر ذلك لاسرائيل اعترافاً قانونياً بسيادتها كدولة شرق أوسطية تقع على الحدود الفاصلة بين القارتين الأسيوية والإفريقية، كما تفصل العالم العربي الغربي عن العالم العربي الشرقي، ويوفر لها شرعية وجودها في الشرق الأوسط على الأرض الفلسطينية المحتلة، وتغيب؛ بل تمسح كلمة المحتلة عن الوجود نهائياً، ويتطلب ذلك جرّ ورضوخ دول منظمة المؤتمر الإسلامي ال57 دولة اسلامية للاعتراف بدولة الاحتلال دون شروط مسبقة.. وعبارة دون شروط مسبقة تظهر مدى الهيمنة الأمريكية والاسرائيلية على مشروع التسوية.

اتفاقية الغاز بين الأردن وإسرائيل أيضاً بدأت أحداثياتها عام 2011م لتحقيق ذات الهدف في ترسيخ (محور الاعتدال في الشرق الأوسط) بين العرب واسرائيل كخطوة استراتيجية وعنصر استقرار في الشرق الأوسط، عندما عرضت وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية (هيلاري كلنتون) على ملك الأردن عبدالله فكرة مشروع استيراد الغاز من اسرائيل كخطوة استراتيجية مهمة لإحلال السلام وعنصر استقرار مهم بالشرق الأوسط، فوافق بعد طول محادثة واطلاع على ما ستقدمه أمريكا للأردن بالمقابل إنما باشتراط أن تكون الشركة الوسيطة أمريكية وليس اسرائيلية.

وفي أوائل عام 1012 اتصل أموس هيتش ستاين كبير دبلوملسي الطاقة في وزارة الخارجية الأمريكية بشركة (نوبل إنيرجي) الأمريكية بخصوص إبرام صفقة الغاز مع الأردنيين، ودخلت الاطراف الثلاثة في مفاوضات رسمية على مدار عامين، وقدمت أمريكا دعما ماديا مجزياً لتدريب كادر من الأردنيين على التنظيم القانوني للغاز، وتم مع ذات الشركة على هامش الاجتماعات الكثيرة ابرام عقدين ثانويين مع شركة البوتاس الأردنية، ومع مؤسسة الطاقة على شراء غاز البرومين على مدار خمسة عشرة عاماً من (حقل غاز تمار) بإسرائيل في البحر الأبيض المتوسط غرب حيفا بقيمة 500 مليون دولار في العام.

وتم توقيع اتفاقية أولية مذكرة تفاهم مع شركة الكهرباء الأردنية لبيعها غاز الميثان من (حقل لفياثان) بإسرائيل أيضاً بقيمة ( 12مليار دولار) وكان لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري الباع الأطول في اتمام الصفقة،

ومن ثم تم رفع القيمة إلى 15 مليار دولار على مدار 15 عام مقابل 45 مليار مكعب غاز ما يعادل ألف مليون 300000 وحدة حرارية بريطانية يومياً على أن تدفع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية مليار دولار سنوياً.. وكان شرط الأردن أن تكون هناك شركة أمريكية وسيطة في العملية حتى لا يقال انها تشتري الغاز من اسرائيل رغم أن الغاز مشترى فعلا من إسرائيل، ومع ذلك تم ادخال شركات اسرائيلية بالإضافة لشركة نوبل انيرجي الأمريكية هي شركة دليك وشركة راشيو النفطيتان.

وأكد رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتياهو أن عوائد هذه الاتفاقية خاصة بعد حصولهم على سعر أعلى من السوق ستساعد اسرائيل على الاستثمار في مشاريع وطنية كثيرة في قطاعات الأمن والتعليم والتدريب والصحة.. ووصف وزير الطاقة الإسرائيلي سيلفان شالوم أن إنجاز هذه الاتفاقية مع الأردن يعد عملاً تاريخياً هائلاً سيعزز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، وستتحول اسرائيل إلى قوة عظمى للطاقة توفر احتيات جيرانها وتعزز مكانتها كعامل مركزي في تزويد الطاقة في المنطقة.

ولأن حقل الغاز ليفياثان لم يكن جاهزاً حينها، وجاهزيته كانت ستكتمل بين عامي 2019 -2018م ولن تتمكن الشركة من إيفاء إلتزامها إلا بعد هذا التاريخ، وهذا ما جعل الناس يحسون وكأن الاتفاقية جديدة العهد.

فيما في الأردن أغلقت الحكومة أذانها عن سماع معارضي الصفقة رغم كونها تكاد تشمل كل الأطياف الفكرية والاجتماعية والحزبية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني، وتبرر الحكومة هذه الصفقة لأسباب اقتصادية قاهرة لمواجهة العجز المالي بالدولة، والحقيقة غير هذا على الاطلاق، فالأردن تملك طاقة جوفية قادرة على دعم الإقتصاد الأردني، لكنها لا تملك الإمكانيات لاستخراجها وتشغيلها بدون مساعدة من الخارج، وهذا هو الذي تمنعه عنها دول الهيمنة.

ومحاولات شركة الكهرباء التلاعب للتأثير على قناعات الشعب من خلال اشعار المواطن أنها ان لم تفعل ذلك ستضطر على اتخاذ نظام قطع الكهرباء يومياً بمعدل ثماني ساعات يوميا.

وما زال مشوار التطبيع بأوله والقادم أعظم، وما إدانة صفقة العصر التي يتشدق بها العرب إلا وسيلة تحايل وتزيف لجعل الحقيقة مخفية وراء ساتر خفيف لا يسمن ولا يغني من جوع، وستتم كل الترتيبات التي تحقق صفقة القرن تلك التي تم اتفاق الحكام عليها شاءت الشعوب أم لم تشأ، وسيمتد النفوذ الصهيوني إلى دول الجوار إلى درجة الهيمنة، فالسيطرة في هذه المرحلة هي سيطرة القوة والعلم والمال والاقتصاد.. وأين العرب من كل هذا؟.. 


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 11 يناير 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا