حكم ذبح الأضاحي للأموات للشيخ إبراهيم الضبيعي رحمه الله - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حكم ذبح الأضاحي للأموات للشيخ إبراهيم الضبيعي رحمه الله

دراسة فقهية تبين أخطاء يقع بها البعض في ذبح الأضاحي للأموات

  نشر في 27 يونيو 2022 .

 من يتأمل الاحكام الشرعية وجميع العبادات ، يدرك الحكمة الربانية في مشروعيتها ، وان المشرع الحكيم قصد اختبار العباد في الخضوع والامتثال من عدمه ، فالمؤمن هو الذي يقوم بفعل ما دل عليه الدليل دون مناقشة او تعليل ، ولا يفعل ما استحسنه عقله او اجمل الناس على فعله بدون دليل ، قال ابن عابدين : ما شرعه الله ان ظهرت لنا حكمته قلنا انه معقول المعنى ، والا قلنا انه تعدي .اهـ

والاضاحي هي احد شعائر الإسلام ، وهي عبادة اذا لم تتوفر فيها شروط القبول فهي باطلة ، ويشترط لقبول العبادة الإخلاص والمتابعة ، وهي ان يكون العمل تبعا لما جاء في الكتاب او السنة او فعله الصحابة رضي الله عنهم و الإخلاص ان تكون العبادة خالصة لوجه الله تعالى لا يقصد بها مُجاراة الناس او الحديث عنه بانه ضحّى لوالديه ، وهذه هي المباهاة وكلا الشرطين لا يتوافران في الاضحية للميت اذ الأصل في مشروعية الاضحية انها للأحياء بدليل ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين واحد عنه وعن اهل بيته ، والثاني عن من لم يضح من امته ( أي عن العاجزين عن الاضحية من الاحياء ) ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم انه ضحى عن احد من الأموات ، ومعلوم ان احب زوجاته اليه صلى الله عليه وسلم هي ام أولاده خديجة رضي الله عنها وقد توفيت قبل الهجرة قبل الهجرة بأعوام ، فلو كانت الاضحية للأموات مشروعة لضحى عنها لمكانتها من قلبه وكذلك أولاده المتوفين وهم القاسم والطيب وإبراهيم لم يضح عن واحد منهم ، وكذلك الأموات من بناته رقية وام كلثوم وزينب ، فهو لم يضح عن واحدة منهن ، وما دام لم يضح عن زوجاته وبناته وأولاده فكيف يجوز لنا ان نبتدع عبادة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأذن بها ولم يفعلها احد من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل عن احد من سلف هذه الامة انه ضحي عن احد من اقاربه الأموات ، ولو كانت الاضحية جائزة لضحي السلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو احق من يضحي عنه .

ولما كانت النصوص من القران لم تشر من قريب و لا من بعيد الى حكم الاضحية عن الأموات وكذا السنة بأنواعها الثلاثة القولية والفعلية والتقرير خالية من هذا الفعل ولم يضح احد الصحابة عن الأموات ، لهذا فان فقهاء الإسلام قديما وحديثا يكرهون هذه البدعة كما سنرى .

كراهة علماء السلف لبدعة الأضاحي للأموات :

يتفق علماء السلف والخلف على كراهية الأضحية عن الميت سواء كانت بوصية من الميت ام تبرعا له من الحي وهذا هو المشهور عند أئمة المذاهب الأربعة وهم القدوة واليهم يرجع فقهاء الإسلام حينما لا يجدون نصا في القضية ، وكفى برايهم منهياً للخلاف لانهم أعلم واستنباطهم احكم والاخذ يفقههم أسلم ، فجدير بنا ان نستطلع رايهم وان نأخذ عنهم و هاهي اقوالهم :

1- هذا امام دار الهجرة واقرب الائمة الى معاهد التنزيل الامام مالك رحمه الله لم يستسغ ذبح الاضاحي عن الأموات بدليل ما جاء في المنتقي شرح الموطأ قال: روى محمد عن مالك قال : لا يعجبني ان يضحي عن ابويه الميتين قال في الشرح لكون الاضحية من احكام الحي اهـ . وجاء في مواهب الجليل لشرح مختصر خليل : وكره فعلها أي الاضحية عن ميت كالعتيرة .

2- وهذا هو المستفيض في مذهب الامام الشافعي رحمه الله كما هو مبسوط في كتب الفقه الشافعي انه لا يصل الى الميت ثواب الاضحية ولا القراءة وحج التطوع . قال في تحفة المحتاج شرع المنهاج : ( لا تقع اضحية عن ميت ) اهـ ، وقال في حاشية الاقناع في حل الفاظ ابي شجاع : ولا تجزئ تضحية لأحد عن اخر ولو كان ميتا كسائر العبادات . اهـ ، وجاء في " مغني المحتاج " على مذهب الشافعية : ولا تضحية عن الغير بغير اذنه ولا عن ميت . اهـ

3- والمتقرر في مذهب الأحناف : انه لا اضحية لميت لعدم مشروعيتها قال في " بدائع الصنائع " : ذبح الوارث لا يقع عنه ، اذ الاضحية عن الميت لا تجوز . اهـ

4- واما الاضحية عن الميت في مذهب الامام احمد رضي الله عنه فإنه لم يثبت عن الامام ولا عن المتقدمين من أصحابه إجازة ولا منع لان الاضحية عن الميت في زمنهم لم تكن موجودة ولا معمولا بها ، ولذا لم يسال احد عن حكمها ، ومن يتتبع امهات كتب المذهب فانه لن يعثر لها على ذكر، ومضى العمل بهذا الحكم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى القرن السابع من الهجرة ، ومن علماء السلف الذين كرهوا ذبح الاضاحي عن الأموات ما نقله الترمذي في جامعه : ان عبدالله بن المبارك قال احب الي ان يتصدق عنه ولا يضحي . اهـ

وهؤلاء الاعلام هو جمهرة علماء الإسلام فهل يجوز لنا مخالفتهم ؟ الا يسعنا ما يسعهم ! وهم الذين امرنا الله باستطلاع رأيهم والاخذ عنهم بقوله تعالى ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل 43

كراهة علماء هذا العصر للأضحية للميت :

من القواعد الفقهية قولهم : " الأصل في الاحكام براءة الذمة حتى يقوم الدليل على الحكم " أهـ . ولا دليل على جواز الاضحية عن الميت ، قال سفيان بن عيينه رحمه الله : " لا يصيب عبد حقيقة الايمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال ، وحتى يدع الاثم وما تشابه منه " أهـ .

ويقول العلماء : ان فعل ما فيه شبهة هو الطريق الى فعل الكبائر ، يشهد لهذا المعنى ما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ان الحلال بين وان الحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبراء لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك ان يرتع فيه ) الحديث اخرجه البخاري ومسلم ، والمحققون من علماء هذا العصر لا يخالفون علماء السلف فهم يرون ان الاضحية عن الميت بدعة لا اصل لها من الشرع ، ولهذا لا يروق لهم ذبح الاضاحي عن الأموات بل يعجبهم التصدق بثمنها ، يتضح هذا الحكم من استطلاع رأى هؤلاء القادة وعلى راسهم امام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حينما سُئل عن ايهما افضل الاضحية عن الميت او التصدق بثمنها ، فأجاب استحسن الصدقة عن الميت على الاضحية. اهـ

وجاء في مجموع الرسائل النجدية قول الشيخ حمد بن ناصر بن معمر" رحمه الله " : وذهب بعض اهل العلم الى ان التصدق بثمنها افضل وهذا اقوى في النظر لان التضحية عن الميت لم يكن معروفا عند السلف . اهـ ، وجاء في موسوعة الفقه الإسلامي : و لو مات الموسر في أيام النحر قبل ان يضحي سقطت عنه الاضحية . اهـ ، وجاء في فتاوى مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم " رحمه الله " قوله : اصل التضحية في حق الحي يضحي عن نفسه ، وما عليه كثير من الناس .. التضحية عن الناس ، لكن هذا فيه مرجوحيه من ناحيتين : الأولى ان يضحي عن غيره ولا يضحي عن نفسه ، ثم أيضا الاكثار منها والمقصود ان الناس كادوا يخرجون عن اصل الشرعية فان هذه التضحية بهذه الصفة لم يكن معمولا بها عند السلف اهـ ، وقد نبه الى هذا الحكم احد احد علماء هذا العصر الافاضل وهو الشيخ محمد الصالح العثيمين " رحمه الله " في كتابه احكام الاضحية والذكاة حيث يقول : والاصل في الاضحية انها للحي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه يضحون عن انفسهم واهلهم ، خلافا لما يظنه بعض العامة انها للأموات فقط . الى ان قال لكن من الخطأ ما يفعله كثير من الناس اليوم يضحون عن الأموات تبرعا او بمقتضى وصاياهم ثم لا يضحون عن انفسهم واهليهم الاحياء فيتركون ما جاءت به السنة ويحرمون انفسهم فضيلة الاضحية ، وهذا من الجهل والا فلوا علموا بأن السنة أن يضحي الانسان عنه وعن أهل بيته فيشمل الاحياء والاموات وفضل الله واسع . اهـ ، وقال أيضاً في لقائه الشهري في مركز الدعوة ونقلته جريدة الرياض العدد ( 9807 ) وكان موضوعه عن الحج والاضحية فقال : أما تخصيص الميت بأضحية لم يوص بها فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد توفي له عليه الصلاة والسلام بناته الثلاث قبله ومع ذلك لم يضح لهن ، واستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب ولم يضح عنه ، وماتت له زوجتان خديجة وزينب بنت خزيمة ولم يضح عنهما ، ولو كانت الاضحية عن الميت مشروعة لبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم اما بقوله او بفعله . اذا فالأضحية مشروعة عن الاحياء ، ويضحي الرجل عنه واهل بيته بشاة واحدة ، وما يفعله عوامنا اليوم تجد اهل البيت مثلا عشرة انفار وكل واحد له وظيفة وكل واحد يقول اريد ان اضحي عن ابي فكم يكون لأبيه من اضحية ؟ سيكون له عشر فمن قال هذا ؟ وأين مشروعيته في كتاب الله او سنة رسوله او عمل السلف الصالح ، كان الصحابة يضحي الرجل بالواحدة عنه وعن اهل بيته ، وحتي اكرم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لم يضح بأكثر من واحدة عنه وعن اهل بيته ، مع انه اكرم الخلق ومع ان الله افاء عليه من الأموال ما افاء ومع ذلك لم يضح اكثر من واحدة ، ونقول لهؤلاء الذين يضحون بعشر ضحايا او اكثر رويدكم لا تنفقوا اموالكم في شيء لم يفعله الصحابة مع نبيهم ، واذا كان لديهم فضل فليضح قيم البيت واحدة عنه وعن اهل بيته ، وليصرف بقية هذه الأموال الى المعوزين والمحتاجين عبر القنوات النظامية ، لتصرف لمن هم بحاجة الى اموالنا ، اما ان يبطر الانسان ويسرف ويضحي بعشر ضحايا لواحد او لاثنين فهذا غلط ، وليس من الشرع في شيء ان يكون الانسان اثما لا سالما لان خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه واله وسلم وقد ضحى بواحدة عنه وعن اهل بيته وواحدة عن الامة جميعا ، ومضى فضيلته بالقول : لتكن عباداتنا مبنية على علم وعلى بصيرة وهدى ، فالشرع ليس عاطفة اذا احب الانسان شيئا فعله وتقرب به الى الله ، الشرع شريعة من الله فهل شرع الله على لسان رسوله ان يضحي الرجل بأكثر من واحدة ؟ .. ابدا والذي أرى ان كل من عنده فضل مال فليجد به على اخوانه المحتاجين والمعوزين من المؤمنين الذين هم في ضرورة لأموالنا وهذا هو الصواب .اهـ .


  • 1

   نشر في 27 يونيو 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا