الأصولية.. مصيدة الحمقى..! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الأصولية.. مصيدة الحمقى..!

تعد الأصولية الفكرية الخطر الأكبر على المستقبل لما تحمله من توجهات رجعية متشددة، وإنتصارها يعنى تراجع الحوار أمام العنف والتسلط.. وقد تكون الأصولية علمانية، تقنوقراطية، سياسية أو دينية، ويعد إعتقادها في إمتلاك الحقيقة المطلقة غير قابلة للنقاش هو الخطر الأكبر على المفاهيم العصرية والحريات بصفة عامة..!

  نشر في 19 غشت 2022 .


*مصيدة الحمقى*

بقلم/ محمد أحمد فؤاد

الأصولية في اللغة هي أصل الشئ سواء كان حسيا أو عقليا، وإرتبط مصطلح الأصولية غالبا ببعد سياسي أو ديني بصرف النظر عن ظروف وزمان ومكان ظهورها، وغالبا ما إرتبطت الأصولية بالمعتقد الديني، بل أنها تعدت ذلك لتشكل نواة بعض المذاهب الفكرية والأيديولوجيات والنظريات السياسية. الفكر الأصولي يتشابه في مجمله، ولكن تتعدد وجوهه بإختلاف الظروف الاجتماعية والثقافية التي ينشأ في محيطها، وتعد الأصولية الفكرية الخطر الأكبر على المستقبل لما تحمله من توجهات رجعية متشددة، وإنتصارها يعنى تراجع الحوار أمام العنف والتسلط. قد تكون الأصولية علمانية، تقنوقراطية، سياسية أو دينية، هذا وتعتقد الأصولية أنها تمتلك حقيقة مطلقة، غير قابلة للنقاش ويحق لها أن تفرضها، ونجد الأصوليين العلمانيين والتقنوقراط يزعمون أن لديهم إجابات لكل شئ، وفي هذا يكمن الخطر الأكبر على المفاهيم العصرية، حيث لا يمكن حل اي مشكلات انطلاقا من فكر جزئي واستنادا إلى معتقدات جامدة. من المكونات الأساسية للأصولية "الجمودية"، جمود معارض لأي نمو أو تطور، "الرجعية" العودة للماضي والانتساب للتراث والتحفظ لدرجة الانغلاق، "عدم التسامح" وهو مبدأ رفض الصفح ونبذ الآخر، وبهذا يمكن تفسيرها على أنها جمود وإنغلاق في مواجهة التطور والتحديث.

أسباب ظهور الأصولية الإسلامية متعددة، أهمها قمع وإضطهاد الهوية المجددة وثقافتها أو دينها، مثلما فعلت فرنسا في الجزائر خلال أكثر من قرن، وأثناء هذا الاحتلال الدامي شجعت فرنسا كل من إنصاع لسلطة الاحتلال وأفسحت المجال لمن أبدى إستعداد للتعاون معه، وفي نفس الوقت قام الاحتلال الفرنسي بتعقب علماء تقدميين كالإمام / عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الإسلامية في الجزائر والشيخ/ محمد البشير الإبراهيمي خليفة بن باديس في رئاسة جمعية العلماء المسلمين هناك، وكانوا كلاهما نماذج للفكر الديني المتحرر، والمواكب لحاجة العصر مما جعلهم مصدرا لإلهام قادة حركة التحرير وحرب الاستقلال هناك، وعلى شاكلة هذا النموذج، نجد أن الإمام/ جمال الدين الأفغاني (1838: 1897) ومن بعده تلميذه الإمام/ محمد عبدة قد قاموا بالتصدي للفكر الديني المنغلق، ويظهر هذا في مقارعة الأفغاني التاريخية مع المؤرخ الفرنسي أرنست رينان (1823: 1892)، وكان الأخير قد ألقى محاضرة في جامعة السوربون بعنوان "الإسلام والعلم" أظهر فيها تعصب شديد ضد الإسلام وسخر من العقلية السامية، وقد رد عليه الأفغاني بمقال، نشر وقتها على صفحات Le journal des debats بتاريخ 13-5-1883، وجاء في المقال ما يدحض مقولات رينان بالوقائع التاريخية والبراهين العقلية والتحليل الفلسفي.

هذا المقال سجل محطة فاصلة في تاريخ الإسلام الحديث، حيث جاء الأفغاني واسع الإطلاع على الثقافات الأخرى برد حاسم على منوال كبار المفكرين المسلمين الذين إجتهدوا لكي يطّلعوا من الداخل على ثقافات العالم الكبرى، مثلما فعل البيروني بالنسبة للتصوف الهندوكي، وإبن رشد بالنسبة للفكر اليوناني، وإبن حزم أول من وضع أسس التاريخ المقارن للأديان، وجاءت جهود هؤلاء العلماء الأفاضل خلافا لكثير من العلماء المتشددين والمنغلقين في تراثهم وحده، والجاهلين بكل الموروثات الأخرى.

ومن أسباب ظهور الأصولية الإسلامية ايضا إنحلال وتغول الآخر (المقصود هنا الغرب الاستعماري)، إرتبط هذا بتزامن مع صعود الرأسمالية والاستعمار، الأمر الذي أفقد البشرية العديد من القيم المجتمعية التي تحض على الفضائل، وحصر ماهية الإنسان في خانة المنتج والمستهلك فقط، مما جعل المصالح هي المحرك الأول له! نجد صعود التيار الديني في إيران نموذج حي على هذا، حيث انه جاء كرد فعل لحكم الشاه الديكتاتوري المستبد هناك، بمساعدة جيش تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية عسكريا وتقنيا وماليا، بواسطة السافاك “SAWAK”منظمة الاستخبارات والأمن الوطنية التي تم تأهيلها وتدريبها على أشد وأسوأ اساليب القمع والتعذيب، وكان من شأنه التضييق على الأغلبية الساحقة من السكان من فلاحين وعمال لحساب عدة من أصحاب الأعمال الأغنياء المرتبطين بعلاقات مع شركات الغرب الكبرى! هذا وحديثا نجد أن هيمنة الغرب بعد قرابة خمس قرون من متتاليات الاستعمار الصريح للأرض، قد بدلت وجهها القبيح لتعيد فرض سطوتها من خلال علاقات تبعيه يتم تفعيلها من خلال شكل جديد من أشكال الاستعمار الجماعي مجسد في صندوق النقد الدولي IMF والمصرف العالمي، هذه العلاقات التبعية كونت إقتصادات مشوهة، لا تخدم بالضرورة حاجات هذه الشعوب، بل ترتكز إستراتيجيتها على فتح اسواق للمنتجات والمحاصيل المخصصة للتصدير بالدول الكبرى لأجل تسديد فوائد الديون! أدي هذا النوع من الاستعمارعلى مدار السنوات الأخيرة إلى تراجع معدلات النمو بالدول الفقيرة، وأيضا لوفاة الملايين جوعا أو بسبب سوء التغذية، وهكذا فرض الغرب هيمنته إقتصاديا ونجح في تفعيل الاستعمار دون أن يفقد أي من موارده، ونجده يوميا يضرب العالم الثالث بتسونامي إقتصادي الواحد تلو الآخر لتظل حالة الهيمنة الاستعمارية مستمرة.

السبب الثالث في ظهور الأصولية الإسلامية يتمثل في صعود سلاح المال والنفط! ونرى هذا جليا في المملكة العربية السعودية كنموذج للأصولية بفضل قوتها النفطية، تستطيع المملكة العربية السعودية وقادتها تمويل جميع الحركات الإسلامية في العالم وتوجيهها لخدمة مقاصدها ومصالحها الشخصية، وعلى مدار سنوات منذ إنشاء المملكة عام 1928، كان الشاغل الأساسي للحكام السعوديين هو إخفاء تبعيتهم وإنحيازهم للغرب! وما يدلل على هذا هو معاهدة القطيف 1913 قبل إعلان المملكة، والتي ألزمت بريطانيا بالدفاع عن الملك عبد العزيز آل سعود مقابل إلتزامه بالخط السياسي البريطاني حينها، وجاء في طيات تلك المعاهدة حماية من ناحية وإذعان من جهة أخرى، وسحقت على أساسها بريطانيا إنتفاضة القطيف المسلحة 1948، وبعد قرابة 60 عاما، صدر تصريح رونالد ريجان الشهير: "لن نسمح أبدا أن تغدو السعودية أيران جديدة"! مع إرتفاع أسعار النفط وزيادة ثراء حكام المملكة، أصبح النفوذ السعودي لا يهتم بكيفية الدعوة الدينية وطريقة إعتناق الإسلام وحالاته، حتى لو تحقق بنفس الطرق التي إعتمدتها الإرساليات التبشيرية المسيحية في عصور الاستعمار، والتي من شأنها منح إمتيازات مادية كمقابل لمن يرغب في الدخول للإسلام! ويعد هذا الإتجار بالدين أسوأ شكل من أشكال المد الديني الذي طغى على حساب روحانية الإسلام وجرده من رسالته!

يعد هذا السبب الثالث هو نواة تكوين الأصولية الإخوانية في مصر، مع إرتفاع حدة القمع والتضييق على جماعة الإخوان المسلمين، تحديدا بين سنة 1954 حتى 1977، تلك الفترة التي شهدت سجن وأعمال تعذيب وإعتقالات وشنق وإعدامات جماعية ، لم تتوقف صياغة العقيدة الإخوانية حتى داخل السجون، فكتب سيد قطب وأفكاره خرجت من غيابات السجون محملة بالصبغة المتشددة الانتقامية، وقد صنفها مريديه حينها على أنها تفاسير وشروح جذرية وثورية! لكن الجزء الأخطر في تلك الفترة، تحديدا ستينات القرن الماضي كان الانعطافة التي طرأت على أولئك الذين تمكنوا من النجاة من القمع بمغادرتهم مصر، وعاشوا في المنفى الاختياري وإستقر الحال بعدد كبير منهم في المملكة العربية السعودية ودول الخليج النفطي، وهؤلاء تبدلت عقيدتهم من عقيدة إصلاحية مبنيه على أفكار حسن البنا الأولى وآلت إلى عودة لراديكالية وتراث متحجر للموروث الوهابي أساس الأصولية السعودية، وهو فكر مبني على تملق العلماء للأمراء ، وينتهج طاعة غير مشروطة للحكام الذين يعتبرون أنفسهم المؤتمنين على مشيئة الله، إعتمد الحكام السعوديون على نشر كتابات إبن تيمية بشكل واسع" السلطان- السلطة السياسية- ظل الله على الأرض" وأيضا " إن ستين يوما من حكم وال جائر خير من ليلة فوضى" لتأكيد منهجهم المتسلط في الحكم، وبهذا حل الإذعان غير المشروط للطاغية ورجل الدين، والذي هو مفتاح تجريم الخروج على سلطة الحاكم، والتي وضعوها محل سيادة الله التي تحد في القرآن من كل سيادة بشرية!

وللأسف حين نجد أن التيار السلفي بمفهومه الحالي يستقي مرجعياته من نفس المنهل، لابد لنا من الانتباه إلى أن السم يأتي من التزوير التقليدي لتعاليم القرآن،ويعود إلى جذور الملكية الوراثية بالذات، والتي ينفيها القرآن تماما في العديد من المواضع، فنجد معاوية أول حكام الإسلام السياسي يقول: "الأرض لله، وأنا وكيله"، وبعد قرابة قرن من الزمان يقول ابو جعفر المنصور المقولة ذاتها: " أيها الناس! صرنا رؤساءكم بحق أعطانا الله إياه.. أنا وكيل الله على الأرض" ! هذا هو التضليل الأساسي، حين يعتبر الخليفة أو الحاكم نفسه "وكيل الله" بينما هو حاكم لا أكثر! حتى النبي صلى الله عليه وسلم حين خاطبه الله في القرآن بسورة النساء، خاطبه وحده وبصفته النبوية دون غيره: بسم الله الرحمن الرحيم " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله" صدق الله العظيم، القراءة التي نحن بصددها هنا تشكل إغتصابا لصفة النبي وحقوقه النبوية والتكليف الإلهي لصالح من أراد الطغيان بإسم الدين! ومن ملامح هذا الطغيان المستتر، وتطبيق الشريعة المزعوم أنه يقوم على خلط الشريعة مع بعض آيات القرآن بعد عزلها عن مساقها وعن الوضع التاريخي الذي نزلت فيه، خصوصا فيما يختص بمسألة تطبيق الحدود ومحاذيرها، مع ممارسة خلط ممنهج بين الشريعة والفقه يؤدي حتما إلى اختلاط الأمر على المتلقي حتى يستحيل عليه الفهم، فيصبح أسيرا للأفكار الموضوعة لخدمة الأصولية الفكرية.

كلمة أصولية تعد كلمة حديثة، ولم تعرفها المعاجم والموسوعات الأوروبية إلا في النصف الأول من القرن الماضي، وقد إختزل تعريفها في الماضي على أنها "عقيدة رفض التكيف مع أي ظروف جديدة" مما لا يتحقق معه الفكر التقدمي المعتدل للدين الإسلامي! وللخلاص من الأصولية لا يحتاج المجتمع إلى طاغية أو ديكتاتور، بل يحتاج إلى ثورة ونهضة شعبية من جموع الشعب رجال ونساء لدحض ظلامية الأصولية والخروج إلى أفق أوسع وأكثر إستنارة، الأصولية ما هي إلا مصيدة للحمقى تؤدي حتما إلى صدام الحضارات وتقتل الدعوة إلى صحيح الدين والفهم المستنير للأشياء في مهدها...



  • mohamed A. Fouad
    محمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!
   نشر في 19 غشت 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا