ليس بالغريب أن يتحّد البلد بأطيافه ضد عدو خارجي، وأيضا لا عجب عندما ترى الأعراق تُرمّم صفوفها لمحاربة من يهدد زوالها، ولا تطالنا الدهشة عند اجتماع الدين الواحد في بقعة ما لنصرة عقديتهم والذب عنها بأرواحهم.
ولكن أن يتوحّد العالم بأديانه وأعراقه وطوائفه وبطبقاته الاجتماعية، لكي يحاربوا ضد عدو واحد وبأساليب متشابهة في الدفاع عن أنفسهم والذود عن عافيتهم ولربما أرواحهم أيضا، هنا نتأمل ونقف أمام مشهد يغمرنا التعجّب لما نعيشه واقعاً.
الغرابة تكمن بأن هذا الاستنفار لمواجهة الخطر الداهم ليس من مخلوقات فضائية تجرّأت بغزو الأرض، بل فيروس لا يرى بالعين المجرّدة، قادم من الصين ينتقل بين البشر بالملامسة والمخالطة، يضرب أطنابه بسرعة فائقة في الأجساد ويعرّي قوتهم خلال أسبوعين، إما مقاومة تُفضي إلى قتل الوباء أو موت واستسلام.
خلّف هذا المرض أعداد هائلة من المصابين، وأرقام مخيفة لمن لفضوا أنفاسهم الأخــيرة في هـــــــذه الدنيا، جمــيع أطــباء العالم في حــالة دؤوبة من العــمل الغــــــــير منقطع، وأموال طائلة تُمنح لمكافحة (كورونا)، وإطلالات لرؤساء الدول للتحذير من هذه الجائحة، وحملات من التوعية الصحيّة، وتوجيه إعلامي كبير لتبيان الخطر الواقع.
من آثار الدمـــــار للجيــش (الكوروني) مــن غير الأضــرار الصحيّة، دور العبادة أُغلــقـت، وفرضت العزلة على العالم، والأعمال شبه معطّلة، والأدهى أن الاقتصاد يسير نحو الهاوية، حتى أتت المبادرة من قيادتنا الرشيدة بعقد قمة افتراضية استثنائية للدول العشرين، وكان نتاجها ضخ خمسة تريليون دولار لانتشال العالم من الضرر الناجم.
لذا نجد الكون على قلب رجل واحد لمواجهة هذا العدو في معركة وبائية، إلا أن معايير الحرب تغيّرت وتبدلت فيها، حيث لا أرض تجمعنا به لنقاتله، ولا أثر لجندي حاملاً على أكتافه البنـدقية، وغرف استخـباراتية مطفئة، ولا سجـون لا أسرى حرب.
بل حضر الطبيب بعلمه وبجعبته الصحيّة، وأُنيرت مراكز الأبحاث للعمل على اللقاح، واضحى الإنسان أسير بيته وقايةً لخطر مداهمة الوباء.
وإن طال بنا الوقت .. لنا النصر بإذن الله..
-
فيصل القحطانيالفكرة السجينة (الكتابة) بابها الى الحرية..