شعور غريب ..
قاتل ..
مُحير ..
لن تستطيع أن تفلت منه بسهولة , بل دعنا نقل أنك لن تقوى على الإفلات منه حتى ! , قادر على تبديلك وتغيير مسارك , بين ما أريد وبين ما يُريده الواقع تقف مُكبل مُقيد مُستسلم , جاهلاً ما يُمكنك فعله ومُضطرباً أمام إختيارات وضعتك امامها الحياة , فحتى حق الإختيار بينهم غير مكفول لك ! , مجرد شكل وضعته الحياة حتى لا يلوم عليها لائم حيال أمرك , فها هي الإختيارات بين أيديك ولكن ما الجدوى منها إن سلبت منك إرادتك في القبول أو الرفض ! , فمقابل المنح هو السلب في وجهة نظرها ! , ومقابل ذلك في نفسك هو الضياع الذي لم تحسب له حُسبان !! .
الواقع يُريد بينما أنا .. أبغض الواقع بأكمله ..
هل تساءلت يوماً عن تلك القدرة الخارقة التي جعلت الحياة تستحوذ عليك إلى هذا الحد ؟! , جعلتك مجرد إنسان محكوم عليه بإعدام إرادته حيال أي قرار أو تصرف أو حتى لفظ يلفظه ! , هي من تتحكم بمسيرتك , هي المُتحكم الأوحد بما ستواجه وما ستفر منه , جعلت وجودك مجرد تحصيل حاصل لا قيمة أو جدوى منه , تُحركك في أي إتجاه ولأي إتجاه دون أن تُخبرك إلى أين تود أن تُلقيك , ودون أن تتشرف بأخذ إذنك حتى في تلك الفعله القاسية , الآن قد وُلدت , غداً تملي عليك قرارها بوجوب المشي , فلن تُطيل وأنت تحبو على أرضها , ثمة أموراً أخرى تنتظر فقط إشارة البدء منها وتحتاج للتنفيذ , وبعد غد يتوجب عليك أن تتعلم كيف تستقل وتقذف طعامك في فمك بمفردك , دون مساعدة أو تدليل من أحد , هي الخطوة التي لن تستطع الفرار منها , وبعدها قراراً بالسير وحدك حتى مدرستك دون صراخ وعويل من فراق الأبوين , وبعدها بالذهاب منفرداً للكلية ومن ثم للعمل ومن ثم السير مفرداً تماماً في طريقها دون أن تطلب العون حتى في عبور الطريق المُكتظ بعربات سرعتها تتعدى حدود الجنون ! , ومع ذلك تُملي عليك الحياة قراراً بضرورة العبور بسلامة حتى تحصل على النتيجة المُثلى ! ..
أنت لا تستوعب فكرة أن تتلقى أوامر لا تدري من أين مصدرها , من هو مُلقيها لك ولمَ يُلقيها من الأساس ؟! , لمَ تفعل ما لا تعرف هدفه ؟ , ما الفائدة من تلك الأوامر ومن ضرورة فعلها ؟ , هي ستتلقى عقاباً قاسياً إن نفذت خطوة قبل خطوة , هل ستجد أن الحياة تبدأ بالتوقف عن مسيرتها وتُعلن عليك حرباً لا نهاية لها ! , بالطبع لا , ستستمر ولن تتوقف لحظة , بل ستجدها تغدو أسرع مما كانت عليه , ستجد ملامحك تتغير , والفرق بينك وبين سطحها يزيد سنتيمترات جديدة , والحيز الذي تشغله من سطحها ايضاً يتزايد ويُعلن عن وجودك على أرضها تقتنص نسمات لا حصر لها فقط لستستمر في بقاؤك حياً , وتستمر الحياة في إملاء أوامرها على البشرية دون أن يلتفت أحد لتلك الأوامر أو يتفكر في أسبابها , هل يُعقل أن تفنى لمجرد أن تُعلن عصيانك لأحد أوامرها لك ؟! , هل قدومك لها يستحق كل هذا العناء ؟! , فقط لتحاول فهمها تحتاج لعقل آخر فوق عقلك , وللأسف حينها إن حدثت تلك المعجزة فلن تصل لــ 1 % من حل لغزها ! ..
أتدري .. نحن مجرد أطفالاً ليس لهم الحق في إبداء الآراء !
منذ أن تدب روحك أرض الحياة تتلقى أوامر , والدك يصيح فيك كل صباح : هيا قم لا تتكاسل عن الإستيقاظ المُبكر , هو الصحي لك ولا غيره القادر على إشعال حيويتك ..
لا تجد إجابة سوى : حاضر !! , ولكنك في داخلك تُضرم فيك الحيرة بشأن السبب , لماذا الإسيقاظ المُبكر قادر على جعلي هكذا ! , ولماذا أتلقي أمره بصدر رحب ولا أقوى على قول : لا , لن أفعل حتى أفهم ! .. ولكنك لا تفهم وتفعل فقط ! , يمر الدهر بأكمله وأنت تستيقظ مُبكراً فقط لأنه أمراً , ولكن ماذا تريد ؟ , في أي ساعة تود أن تستيقظ ؟ , لا يهم ! ..
تصعد لمرتبة أعلى إلى حداً ما , تُلقي عليك الوالدة أمراً بضرورة أخذ الخطوة الأهم في تاريخك , زواجك , فتقف أمامها عابساً , كيف لي أن أتزوجك وأنا لا أُحبذ تلك الفكرة الآن ! , ولكنك ككل مرة , لا تجد رداً إلا .. حاضر ! , وهل فهمت السبب ؟ , إن فهمته فلن تصل لتلك المرحلة من الرضا الغير مُبرر ..
تتزوج , وتُملي عليك الحياة أمراً جديداً , لا تتوقف , فأصبحت الآن رب الأسرة , فمن سيتحمل مسئولياتي التي أفرضها عليك إذاً إن قررت الإنسحاب ؟! , فتستكمل ولا تفهم السبب , لماذا كل تلك المسئوليات مُلقاه على عاتقك أنت دون سواك ! , تظل تُفتش وتُفتش , ويظل السبب مُبهم أمام عقلك المحدود ..
غريبة الحياة أليس كذلك ؟! ..
منذ الولادة وحتى الممات لا تفهمها ! , لا تصل لحل لغزها , لم تكن تحسبها بهذه القسوة ولم تكن تحسبها أيضاً كالحمل الوديع , هل السبب فيك أنت أم فيها ؟ , لك أن تتخيل أن حتى الرغبة التي تستقر داخلك تتحكم بها الحياة ! , بين رغبة البقاء أو الإنسحاب تفرض عليك الحياة رغبتها هي حيال رغبتك أنت ! , وما السبب في تلك الرغبة التي فُرضت على رغبتك أنت ؟! , هل هو أمر إجباري بحت لن تجد مفراً منه ؟ , أم بقليل من الدهاء والمكر ستنتصر على أوامرها ؟ , يظل السؤال قائم والإجابة غامضة المعالم ! ..
ما عليك الآن سوى أن تتفكر وتتدبر في كل ما يحدث ..
تلك الحياة , كيف يُمكنك أن تتعامل مع أوامرها ؟ , كيف يُمكنك التغلب على ما تُمليه عليك إن كنت لا تجد فيها راحتك ؟ , هل التأقلم هو الحل أم الثوران هو المنفذ الوحيد ؟ , لا تجعل الحياة آمره لك ولا تخضع كل قرارتها , فقط قليلاً من التحليل والتدقيق والتأمل قادر على إنتشالك من بحور ضياعك الأبدي ..
لا تكن مُشتتاً بين حياتين , حياة تود أن تحياها بكل تفاصيلها التي رسمتها في مُخيلتك , وبين حياة لا تشعر فيها بالحياة ..
التعليقات
مقال رائع دام قلمك
www.makalcloud.com/post/nva408e6g
تلك مقالة كنت قد كتبتها تتمحور حول ذات الفكرة يسعدني مرورك ونقدك