مصداقية علاقاتنا الافتراضية/ كتب: صالح عبده الآنسي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مصداقية علاقاتنا الافتراضية/ كتب: صالح عبده الآنسي

صالح عبده اسماعيل الآنسي

  نشر في 22 غشت 2022  وآخر تعديل بتاريخ 22 شتنبر 2023 .

قد يحدث على هذا العالم الافتراضي أن تجد نفسك وذاتك تُولَدُ من جديد مع أحدهم منذ أول يوم من أيام معرفتك به وحديثه معك، وتشعر روحك معه بارتياح عجيب وبأمان، ومع الأيام - بتَكْرَارِ لقائه والحديث معه - تجد أنك تزداد له ارتياحًا، ومع الأيام تجد أن روحك ألفت روحه، وأحبت القرب منه، وأعتادت على حديثه، وأن أيامك لو تمر بدون إطلالته عليك، أو بدون إطلالتك عليه؛ فهي أيام ينقصها شيء غالٍ وثمين قد فاتك الحصول عليه، وتشعر أن سعادتك فيها لم تكتمل، أو لم يلامس قلبك البتة الشعور بها إن أنت غبت عنه أو إن هو غاب عنك طويلًا.

قد يحدث كل ذلك، فإما أن تكون علاقة ناجحة مكللة بالوفاء والعطاء المتبادل، وإما أن تكون علاقة نفعية سامة، يضعك فيها الطرف الآخر في خانة الحاجة والاحتياط فقط.

وقد يحدث العكس منذ البداية؛ فلا تشعر تجاهه بأي ارتياح ولا أمانٍ البتة من أول محادثة لك معه، وذلك خير لك من أن يصدمك اكتشاف أن إحساسك بالراحة والأمان إليه كان إحساسًا وهميًا، وأن هذا الاحساس قد خانك وخذلك.

وقد يخالجك حيال كل ذلك وحيال كل من تعزه على هذا العالم الافتراضي عدة تساؤلات، منها:

- أتراه فعلًا يُنزلني من نفسه وقلبه نفس المقام والمكانة التي أنزلته أنا من نفسي وقلبي؟!

- أتراه إذا ما غبت عنه أو غاب عني طويلًا لأي ظرف يذكرني؟ أو أني أخطر له على بال كما هو يخطر لي؟!

- أتراه يكن لي ما أكن له بنفس الحجم من الود والاهتمام ودوام الذكر؟!

وإذا كان من نكن له المحبة عليه من زملاء الحرف والإبداع وحوله الكثير من المعجبين بحرفه، وله الكثير من الأصدقاء من الإخوة والأخوات من زملاء الحرف والابداع، نجد أن وتيرة هذه الأسئلة تزداد، وخاصة التساؤل التالي:

- من أنا لديه بين هؤلاء جميعًا، وحوله الكثير ممن عَرِفَهُم قبلي، ومن الجديدين كل يوم الذين يحاولون التقرب منه؛ فمن أنا بين الماضين والحاضرين والآتين لديه، وأنا حديث عهد بمعرفته، وهو ما ضَمَّنْتُهُ شعرًا بقولي:

أنا مَن أنـا، منذا أكونُ لديهِ؟

في قلبِهِ بيـنَ الزِّحـامِ عليهِ؟

مِن حولِهِ غيري الكثيرُ، وهُمْ لهمْ

بـالـسَّـبـقِ مـنــزلـةٌ بـنــوهـا فِـيـهِ

والكلُّ مِنهم ليسَ ينسى ذِكرَهُ

ويفيضُ بالأشـواقِ بـينَ يَدَيهِ

وأنا الجديدُ؛ فهل يراني بينهمْ

قد صِرتُ أصـدقَ خافِـقٍ يغلِيهِ؟

وهذه الأسئلة عادةً تُثار في الذهن والقلب أكثر عند الغياب طويلًا لأي ظرف من أي طرف، ولب الموضوع وصلبه يتمحور تلخيصًا واختزالًا في التساؤل التالي:

- ما مدى شعورنا بمصداقية شعور من يقول لنا على هذا العالم الافتراضي أنه يكن لنا المحبة، وأننا صرنا لديه في مقام كبير ومكانة عالية وفي قرار مكين من روحه وقلبه؟!

وخاصة أن علاقات التواصل التي تنشأ على هذا العالم الافتراضي ليست كالتي تنشأ على أرض الواقع، إذ في أرض الواقع أنت تقابل الشخص بشحمه ودمه، لا طيفًا ولا صورة، فتراه وهو يراك، وتسمعه وهو يسمعك، وترى في ملامح وجهه وقسماته وحركات جسده وفي نبرة صوته ما يدلك على صدق ما يقوله لك من عدمه.

أما على عالم الافتراض فبينك وبينه شاشة حاجبة، ومسافات بعيدة، لا تراه ولا تسمعه، حتى ولو حدث أنه اتصل بك فيديو (صورة وصوتًا) مع أني من النوع الذي لا يقبل هذا النوع من التواصل المباشر؛ لكنما يبقى الأغلب هو أنه ليس بينك وبينه إلا المحتوى النصي التراسلي الذي تكتبه له ويكتبه لك!

إذًا: ما علامات صدق محبة من يقول لنا أنه أحبنا على هذا العالم، وما علامات كذبه وتدليسه النفعي علينا...إن كان من هذا النوع الأخير، وهو نوع العلاقات النفعية الأغلب القائمة على هذا العالم الافتراضي؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات كلها من وجهة نظري أقول:

أولًا: لا فرق عندك من ناحية الشعور بين من تكن له المحبة على العالم الافتراضي وبين من قد تكن له المحبة على أرض الواقع، فكلاهما عندك شعوران حقيقيان واقعيان.

ثانياً: لا دخل لحواسك الخمس ومنها (النظر والسمع) في جعلك تحس بمدى صدق حب من يقول لك أنه يكن لك المحبة، إذ يكفيك أن تحس روحك ويشعر قلبك بمدى مصداقية روحه وقلبه من أسلوب حديثه وكلامه لك، فما يخرج خالصًا صادقًا من روحه وقلبه يصل روحك وقلبك مباشرة؛ فمحبك الذي يحاول أن يشعرك بحبه لك، والذي أحببته أنت بالمقابل أيضًا...هو ذاك الإنسان الذي أشعرك من البداية أن حديثَهُ نابِعٌ من روحه، أنه من النوع الذي يتكلم بروحه وقلبه، لا بلسانه، ولا برأس سبابة يمينه كتابةً على لوحة مفاتيح جواله.

ثالثًا: هناك علامات ودلائل تدلك على مبلغ منزلتك المتكونة في قلب وروح من تكن له المحبة، وعلى أنه يبادلك هذه المحبة بالمثل، أو أنه على العكس من ذلك، ومن أهم تلك العلامات التالي:

1- شعورك باشتياقه إليك، فلا يطيق أن يغيب عنك طويلًا، إذ لا يجبره على الغياب عنك إلا ظرفه الشديد القوي، أوِ انشغاله في عمله الذي يكسب منه رزقه، أو أن تجده يغيب عنك مراعاة منه لظرف تمر به، أو يغيب عنك لترك مسافة فاصلة، أو مراعاة منه لخصوصية من خصوصياتك حساسة ماسة.

2- سؤاله عنك وتفقده لك إن غبت عنه طويلًا بدون أن تخطره عن نيتك بالغياب، أو عن أسبابك الفجائية الدافعة إليه.

3- عتابه لك إن غبت عنه مطولًا، أو إن لم تدخل وترد على رسائله، وخاصة أن وجد لك نشاطًا في حسابك متزامنًا مع وقت إرسال رسائله إليك، إذ لا يعاتبك إلا من أحبك بصدق، شريطة أن يكون عتابه لطيفًا مهذبًا لماحًا، من النوع الذي يُشعِرَك أنه يلتمس لك العذر ويحسن الظن في أسباب ودوافع غيابك أو تأخرك عنِ الرد عليه، فلا يُطلِق عليك أحكامًا مسبقة، دون التريث والتصبر والتثبت منك عن أسبابك وظروفك.

4- شعورك أنه يتحدث معك من كل قلبه وروحه، وبكامل طاقته وبشاشته ومرحه وحضوره وعفويته وإسهابه، فلا يُشعرك أنه قد صار يمل حديثك معه، أو أنه قد يحاول أن يجعلك تختصره، أو أنه يحاول أن يتهرب منك بأي حجة قد تبدو لك غير بديهية ومتكرر الاعتذار بها والتحجج بها منه كثيرًا، إلا إنِ اتضح لك منه أنك كلمته في وقت غير مناسب.

5- شعورك بمدى فرحته وسعادته عندما تأتيه تكلمه، الأمران اللذان يظهران لك من حسن ترحابه واستقباله وحفاوته بك بكل لطف، وعكس ذلك يُظهر لك ضيقه بك.

6- أن يبادرك هو لعدة مرات بالتواصل ابتداءً، سائلًا عنك، ومُتفقدًا لحالك، وألا يبادرك دومًا طالبًا منك أي خدمة أو حاجة له، وما عدا ذلك فلا ولن تجده يذكرك هو ابتداءً، ولا ولن تخطر له على بال، فاعلم هنا أنها علاقة نفعية سامة استغلالية من طرفه.

7- ألا تجرب عليه كَذِبًا قط في أي عذر من أعذاره، وأنِ اكتشفت حصول عكس ذلك العذر منه، فاعلم حينها أنه كان يود التهرب من الحديث معك، وأنه ربما كان يود أن يفرغ نفسه للحديث مع غيرك، مُفضلًا له عليك.

8- أن تجده يدعو الله لك في رسائله، وخاصة عندما يبعثها وأنت غائب غير متصل، مما يُشعرك بحبه لك في ظهر الغيب، فالحب دعاء كما قيل.

9- أن تشعر أنه يميزك عن الغير بتعامله العفوي معك، بأن يُظهر معك طبيعته التي جبله الله عليها، التي ليس فيها أي رسميات أو كلفة، أو تعقيد، أو تحفظ شديد مبالغ فيه، بمعنى أن يُشعرك بمدى ارتياحه لك وأمانه معك، وأنه لا يتكلف ذلك تكلفًا من باب محاولة الإرضاء لك والمجاملة وإسقاط الواجب.

هذا ويبقى الشعور بمدى صدق الطرف الآخر وقوة محبته لنا على هذا العالم الافتراضي أمرًا يرجع إلى إحساس الروح والقلب، فما يُملِيانه علينا من شعور هو الأصح؛ إذ إن حدسهما لا يخيب، فلا يظن من يدعي محبتك كَذِبًا أنك لا تحس بكَذِبه، أو لا يظن من يكن لك المحبة بصدق وإخلاص أنك لا تشعر بمدى صدقه وإخلاصه؛ فلكلٍ منهما علامات تحسها بسرعة بالغة مع الأيام، وتنكشف لك مبينةً معدن كل إنسان، ومدى صدق محبته لك من عدمها.

وتبقى أكبر علامة على صدق المحبة لك من الطرف الآخر أن يقابل عطاك واهتمامك بالمثل؛ أي ألا يكون مستقبلًا عامًا لعطاك؛ فيأخذ منك دون أن يعطيك شيئًا في المقابل، فلا يجيب على رسائلك، أو لا يتواصل بك إلا عند حاجته إليك؛ فاعلم حينها أنك وقعت ضحية علاقة نفعية مسمومة، ليس لك فيها لا ناقة ولا جمل، تستنزف منك كل طاقتك، بينما الطرف الآخر أنانيٌ جدًا لا يحب إلا نفسه، وتجده ربما يضحك عليك ويسخر من محبتك له في باطنه؛ فذلك دعه ولا تأسف عليه.

وإياك والتعلق بالمزاجيين، بمن يعاملك بمزاجيته وعلى هواه، وبمُتقلِب الود المُتردد، الذي له في كل فترة وجه، الذي يقترب منك أيامًا ثم تجده يتغير عليك فجأة بدون أية أسباب، فكن من مثله على حذر، وفر منه فرارك من الأسد.


  • 1

  • صالح عبده اسماعيل الآنسي
    سيرتي الذاتية المتواضعة ♦ البيانات الشخصية: • الاسم كاملاً: صالح عبده اسماعيل عبدالله أحمد يحيى مُحُمَّد صالح الآنسي • النسب والأصل: تعود أصول قبيلته (الأوانسة) بـ (عزلة الملاحنة - مديرية حفاش - محافظة المحويت) إلى أج ...
   نشر في 22 غشت 2022  وآخر تعديل بتاريخ 22 شتنبر 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا