بيت فؤاد ٩
عندما نحب .. نتجاوز، نصفح، نتناسى .. ونمر على الكثير من زلات وعثرات من نحبهم فقط حتى لا نفقدهم. لكن عندما يسقط قناع الحب .. تجد كل شيء يتهاوى تصبح أمام معركة بين الماضي والحاضر .. بين الانتقام والغفران!
نشر في 02 غشت 2018 .
لم يكن "فؤاد" وبيته مجرد محطات عابرة في حياتي، بل كانا انعكاس لها. للحظات اعتقدت أنني الوحيد الذي يمر بهذا في هذه الحياة. أنت مجبر دوماً على أن تبرر لنفسك أخطاك .. لكن للحظة عندما ترى تلك الأخطاء عند الآخرين تكرههم، تتغير نظرتك نحوهم. لكن ليس هناك من فرق .. فبالنهاية لا أحد منا خلق ملاكاً.
في ذلك اليوم الشتوي والبرد القارس، انقطع التيار الكهربائي كما هي العادة في الأوقات التي يكون فيها الجو إعصاراً. أشعلت شمعة واتجهت نحو الموقد .. جلست حيث كنت أجلس عادة تخيلت "فؤاد" بشعره الأشعث وذقنه التي كان يشذبها دوماً بأصابعه، وتلك الشال الخمرية التي كان يحب دوماً أن يعلقها على رقبته. كان يكره المشروبات الساخنة حتى في فصل الشتاء، "فؤاد" لم يكن شخصاً تقليدياً البتة، لكنه كان في النهاية إنسان .. غادر حياته وهو في ربيع شبابه بعد أن وصل حلمه إلى يديه!
" دائماً تكون كلمة الأطباء الأولى لمريض السرطان، لا تيأس فإن العلم تطور ولابد وأن يجدوا علاجاً لهذا المرض قريباً، لكنني لم أكن كأي مريض، لم أكن يائساً ولم يكن عندي أمل، فأنا شخص رغم عشقي للموسيقا لم أتخلى عن قراءتي وبحثي، وأعلم تماماً أنهم لا يريدون أن يجدوا لهذا المرض دواء .. أنا يائس منا نحن لأننا ما نزال ننتظر منهم أن يجدوا الدواء ونحن فقط ندعو لهم!".
قال لنا ذات أمسية عندما كنا نحاول إقناعه بالعلاج الكيميائي عله يكسب القليل من الوقت. لكنه كان من الواضح أنه قد اتخذ قراره حتى قبل أن يصاب بالمرض، كان يقول دوماً بأنه لطالما تحمل الألم .. لكنك يا صديقي في مرات كثيرة كفرت بالألم واعترفت بأنه لم يكن يشبه أي ألم!
" في أحد الأيام وأنا أسير في الشارع نظرت إلى نفسي عبر زجاج أحد المحلات، وتساءلت من أكون، شعرت بأنني فقدت شعوري نحوها، بأنني لم أعد أحبها، بأنها تخنقني .. بأنها تأسرني .. بأنني أريدها أن ترحل.. حاولت بعدها أن أجعلها تكرهني، أن تبتعد عني، كنت قاسياً معها وكانت حنونة، كنت أجرحها وكانت تطيب جروحي .. كنت أستقصد الرحيل وكانت تصر على البقاء. ثم رحلت ..
رحلت مبتعداً عنها واستأجرت منزلاً صغيراً يشبه الكوخ في الجبل، وغبت لشهر أو ربما أكثر، حاولت الاتصال بي كثيراً لكنني كنت قد أخبرتها بأنني سأتصل عندما يحين موعد اللقاء، لكن لم أكن أدري أنني سأعود وأجدها تخلت عني!".
غبي .. قلت له بعد أن قرأت مذكراته، لقد تخليت عنها فكيف أردت منها أن تعود إليك بعد كل هذا. سامحني يا "فؤاد" أنني نعتك بالغبي لكن لأول مرة أشعر أنك لست "فؤاد" الذي كنت أريده أن يكون أيقونة حياتي .. لكن لا .. مايزال هناك أمل بأنك لم تسقط قناعك ..
وأنا من أكون؟! من أنا لأحكم على قرارك بالغباء، سجننا يكون أحياناً وهمنا، ثم نجد أنفسنا بعد أن نفقدها، نعود في الوقت الذي أصبح فيه التغيير مستحيلاً، بعد أن يكون الأوان قد فات ..
" عدت ووجدت نفسي أبحث عنها بين خبايا المنزل، كنت في كل مرة دون وعي أناديها، أحضر القهوة لشخصين، أعزف لها الموسيقا التي كانت تحب. انتظرها ككل مساء عند الشرفة، اشتري لها التوليب والكتب، أتظاهر بالمرض .. أبكي وأبكي كالأطفال في بعدها، لكنني لم اتصل.".
وهل تخليت عن "سعاد" أم أنها من تخلت عني، أنحن حقاً من نختار أم يتم اختيارنا!