اعتاد الشارع المغربي أن يشرف عليه رجال السياسة بالبلاد و ممثلو الشعب في المجالس التشريعية و المحلية،و معهم أقاربهم و الدائرون في فلكهم من معارفهم الذين استفادوا منهم،أو من يحلمون بالحصول على شيء من فتات وعودهم الجوفاء و الكاذبة كلما دنا موعد الاستحقاقات الانتخابية مثلما تشرق الشمس ذاوية محتشمة في أيام المطر.
فهؤلاء الساسة المحتالون يظهرون للشعب و يختلطون به،و يتركون حياتهم الباذخة و متعهم المألوفة و يصبحون شعبيين وُدعاء،مستكينين تمهيداً لأطماعهم الاجتماعية و الاقتصادية،ثم يغيبون عن الأنظار و يحتجبون حين تتحقق ضالتهم المنشودة في احتلال مراكز التعالي و التميز،و ارتقاء أبراج الأعيان و الوجهاء ذوي المال و السؤدد،ثم يديرون في أيديهم خاتم سليمان،فتأتيهم العفاريت بكل ما يطلبوه،و يصيرون أغنياء و أصحاب جاه و سلطان بين عشية و ضحاها.
إن واقع السياسيين المغاربة المتطفلين و المنافقين يتنافى مع مفهوم السياسة الحقيقية التي تعني بإيجاز شديد،الالتزام بحسن تدبير إمكانات الشعب و استثمارها في تلبية حاجاته،و حل مشاكله و أزماته عن طريق المبادرات الفردية و الجماعية الإيجابية،و مشاركة كل الأطراف المقنية مشاركة فعالة و نزيهة في وضع برامج التنمية و مشاريعها من جهة،و في السعي إلى تنفيذها و إدراجها في سياق الواقع المعيش من جهة ثانية.
في حين أن معظم المنتمين إلى النخبة السياسية المغربية،تستبد بهم الحساسيات الانتهازية و الخلفيات المصلحية التي تفضي في نهاية المطاف إلى تعطيل الصالح العام،و تعميق أزمات البلاد أكثر فأكثر،و تفتح الباب على مصراعيه للشطط التدبيري،و التسابق نحو مناصب النفوذ السياسي و تسلق سلم الارتقاء المغشوش و المجاني اجتماعياً و اقتصادياً.
إن السياسة في المغرب أصبحت مجالاً للدسائس و افتراء الشائعات و الأكاذيب،و اتخاذ المواقف الزئبقية المحتالة و الرخيصة من أجل الكراسي البرلمانية و الحقائب الحكومية،و اقتسام غنيمة الشعب المغربي،و نهب ما تبقى من مخزون صناديقه و نتاج عرق جبينه.
فصار العمل السياسي و ما يتيحه من فرص و خيارات للتربع على الأرائك المريحة و جمع الثروة العريضة،أفضل بكثير من الشهادات الجامعية العليا و التخصصات العلمية المتميزة،فبات مع هذه المفارقة الغريبة،أن تصل السياسة القائمة على الخداع و الثقافة السوقية المتزندقة بالفاشلين تعليمياً و تربوياً،و المتفننين في تنميق القول و إتقان الكلام السوقي المرصع بالألفاظ البديئة،إلى إزاحة رجال الثقافة السياسية الصحيحة والفكر النير عن مواقع القرار،و إدخال البلاد في متاهات التراجع الاقتصادي و الاجتماعي المستمر،و السير بها نحو الانهيار إنْ على مستوى معدل النمو أو التضخم و ارتفاع العجز التجاري،و اللجوء إلى التدابير و المراسيم الترقيعية بدل البحث عن المجالات الحيوية و مصادر الاستثمارات،و المشاريع المدرة للمال و المحققة للثروة المستدامة.
إن ما تشهده الساحة السياسية في هذه الأيام،و ما سيعتريها خلال الشهور القادمة من تكالب السياسيين الوصوليين،و الضاحكين على ذقون المغاربة و خرجاتهم المتكررة،و بروزهم السافرو القصديري،لدليل قاطع على غبائهم السياسي معتقدين بأن الشعب المغربي مازال على عهود ذي القرنين،قابلاً لينطلي عليه التضليل السياسي و ماكياجات الدعاية الانتخابية الماكرة،التي تعرفها المؤتمرات الحزبية هذه الأيام،و الساعية بكل إصرار إلى إبقاء دار لقمان على حالها،و ابتزاز المزيد من كنوز مغارة " علي بابا ".
إن الشعب المغربي ضاق ذرعاً بهذه الوجوه الممسوخة،التي أوصلها في غير ما مرة إلى تمثيله في المجالس المحلية و البرلمانية،و هو عازم على قطع الطريق أمامها هذه المرة بعد أن خدعته،و خذلته و انصب جشعها المتوقد على حماية مصالحها الذاتية،و الجري وراء الأبهة و الترف و هدر المال العام دون حسيب و لا رقيب.
و للشابات و الشباب المغاربة دور طلائعي في إحداث التغيير السياسي المتوخى،فعليهم أن ينخرطوا بكثافة في الانتخابات القادمة،و الإدلاء بأصواتهم لزعزعة الثوابت،و ترجيح كفة نخبة سياسية جديدة و واعدة،يمكنها بفضل حسها الوطني،و غيرتها على الصالح العام أن تعيد بسمة الأمل و التفاؤل إلى الشعب المغربي،رغم قلة تجربتها و قصر دلوها في إدارة الشأن العمومي،إلا أنها كيفما كان الحال،لم تتعلم بعد أساليب الاحتيال السياسي،و قضاء المصالح الضيقة،ذاتية كانت،أم حزبية أم نقابية