70 عاما على صدور رواية 1984 : لماذا مازلنا نقرأ الكتاب الذى يحوى نبوءة اورويل - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

70 عاما على صدور رواية 1984 : لماذا مازلنا نقرأ الكتاب الذى يحوى نبوءة اورويل

لويس ميناند- مجلة ( ذا نيويوركر) الامريكية – ترجمة / محمد احمد حسن

  نشر في 03 يناير 2020 .

صدر كتاب جورج اورويل المعنون ب(1984 ) منذ سبعين عاما ، و اليوم فإنه يعتبر نموذجا مدهشا لعمل من أعمال النبوءة السياسية . و قد ترسخ هذا الكتاب في الوعي الجمعي أكثر من بقية الكتب التي صدرت في تلك الحقبة مثل كتاب ( عالم جديد شجاع ) لالدوس هسكلى (1932 ) ، و كتاب ( فهرنهايت 451 ) لراى برادبورى ( 1953 ) ، و ( البرتقالة الآلية ) لانتونى بورجيس ( 1962 ) ، بل و لم يتم الإشارة إلى الكتب الأكثر شهرة و التي يعود إليها الفضل في ظهور مثل هذه الأعمال مثل كتاب ( نحن ) ليفجينى زامياتين ( 1921 ) ، و كتاب ( ظلام في الظهيرة ) لآرثر كوستلر (1940 ) . و تعد رواية ( 1984 ) بوضوح كتابا من كتب الحرب الباردة ، و لكن الحرب الباردة انتهت منذ ثلاثين عاما فما هي العوامل التي تجعل هذا الكتاب محتفظا بسطوته حتى الآن ؟

جزئيا يعود هذا الأمر إلى الحقيقة القائلة بأنه بخلاف رواية ( ظلام في الظهيرة ) فإن كتاب اورويل لم يكن المقصود منه أن يكون كتابا عن الحياة تحت حكم النظام الشيوعي . و إنما كان المقصود من هذا الكتاب هو التحذير من نزعات ما متغلغلة في الديمقراطيات الليبرالية ، و هذا ما كان يراد إيضاحه . و قد أنتج الغزو السوفيتي لأوروبا الشرقية مجتمعات تشبه المجتمعات الموجودة في صفحات اورويل ، و لكن القراء الأمريكيين تعاملوا مع الكتاب على أنه كتاب عن قسم الولاء و المكارثية . و قد تم استخدام الكتاب للتعليق على أحداث وترجيت و التي كان بطلها نيكسون . و في الفترة مابين 1983-1984 احدث الكتاب ضجة بين جمهور القراء حيث تم بيع أربعة مليون نسخة هذا العام حينذاك لأن الكتاب يتحدث عن سنة 1984 . و في عام 2016 أعطى صعود ترامب دفعة للكتاب .

الفرضية الأساسية التي ارتكزت عليها الرواية سرعان ما ثبت بطلانها – و قد كانت باطلة من البداية غالبا - . هذه الفرضية تستند إلى الفكرة القائلة بأن العالم سوف ينقسم إلى ثلاث قوى عظمى شمولية سوف تكون محكومة بتنظيم هرمي جامد مع تحكم كامل في المعلومات و التعبير عن الرأى ، و ستكون منخرطة في حروب دائمة و خاسرة للسيطرة على العالم . و قد كانت هذه الفرضية هي المستقبل الذي توقعه البعض في حقبة الثلاثينات التي شهدت الكساد الكبير و صعود الستالينية و الفاشية . فيما بدا أن الرأسمالية و الديمقراطية الليبرالية على وشك الاحتضار ، و أن الاقتصادات المخططة مركزيا و النظم السلطوية بدأت تبدو و كأنها الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها حكم المجتمعات الجماهيرية الحديثة .

هذه الفرضية التي استندت إليها الرواية أصبحت في طي النسيان غالبا . و لكن جيمس بورنهام في كتابه ( الثورة الإدارية ) ( 1941 ) قد رفض الفكرة التي كان اورويل مأخوذا بها .

إنها حقيقة إذن . فبعد عام 1949 انقسم العالم إلى قوتين عظميين و ليست ثلاثا ، و لكن خصومة القوتين العظميين لمدة 40 عاما أحدثت قدرا كبيرا من الدمار حول العالم . و لكن القوتين ليستا توأمين من الوحوش الشمولية ، و أصبحتا بمثابة قطبي الجغرافيا السياسية للقرن العشرين ، و قد انعكس ذلك على التكتيكات التي تعامل بها الطرفان مع بعضهما البعض و لكن كلا القوتين كانتا نظامين مختلفين يدافعان عن أيدلوجيات مختلفة . ولأن اورويل لديه اهتمام محدود بأمريكا و لم يكن شغوفا بها فقد فاته هذا الأمر .

بعض أجزاء الرواية على الرغم من ذلك تبدو و كأن ملاءمتها للواقع لا تنتهي أبدا . حيث أن شخصا واحدا يجسد حالة المراقبة و هو الأخ الأكبر و معه شاشة ، و هو الأمر الذي يجسد مفهوم الغيبوبة بشكل مدهش و الذي تخيله اورويل عندما لم يسبق له مشاهدة التلفاز من قبل . و الوسيلة الأخرى التي يتم استعمالها لهذا الغرض هي اللغة المخترعة ، حيث أن الموضوع المفضل لاورويل هو : إساءة استعمال اللغة لأغراض سياسية .

و لكن كتاب 1984 يعد رواية و ليس عملا من أعمال النظرية السياسية ، و في النهاية مازال الناس يقرأونها على أنها عمل أدبي على الأرجح . أما المادة السياسية المعلنة مثل ( الجماعية النخبوية بين النظرية و الممارسة ) و هو الكتاب الذي يقدمه المفوض اوبريان إلى وينستون و جوليا لإغرائهم بالوقوع في الفخ فعلى الأرجح أن كثيرا من القراء حاليا يتجاوزونها و يمرون عليها مرور الكرام . ( و يعد هذا الكتاب نظيرا لكتاب ( الثورة الدائمة ) الذي هاجم فيه ليون تروتسكى الستالينية ، و الذي نشر عام 1937 ، و لكنه أيضا سخرية من كتاب ( الثورة الإدارية ) )

بالرغم من أن استجواب اوبريان لوينستون يعد ذروة الكتاب ، و بالرغم من أن الناس مازالوا يتذكرون ذلك إلا أن هذا الأمر غير مرض بشكل كامل . كيف يستطيع أوبريان أن يقنع وينستون أن اثنين زائد اثنين يساوى خمسة ؟ من خلال تعذيبه . هذا يبدو إلى حد ما نوعا بدائيا من غسيل المخ . في رواية ( ظلام في الظهيرة ) فإن الضحية روباتشوف بالرغم من انه تم إرهاقه جسديا فإنه ينهزم عقليا . ( كلا الروائيين حاولا أن يفهما كيف اعترف المتهمون في محاكمات موسكو التي انعقدت إبان حملة التطهير التي شنها ستالين ضد البلاشفة القدماء مابين عام 1936 و 1938 بإرادتهم الحرة بمعظم الاتهامات السخيفة ضدهم ، و هم يعرفون أن ذلك سيعرضهم للإعدام رميا بالرصاص في الحال . و بعد وفاة ستالين تبين أن هؤلاء المتهمين قد تعرضوا للتعذيب ، إذن اورويل كان محقا بشأن ذلك ) .

و لكن من يستطيع أن ينسى تلك اللحظة عندما قال الصوت الحديدي المتواري وراءهم (( أنت غير موجود )) ؟ لقد استطاع اورويل أن يخلق قصة تحتوى على إثارة ، و على شخصيات يستطيع القراء التعرف عليهم .

حينما صدر الكتاب افترض البعض أن الشخصية التي يعرفون أنها تتميز بالرعب كانت شخصية اوبريان . و هذا ما كان يدور على الأرجح في ذهن اورويل أيضا . و كانت شخصية اوبريان هي النموذج الذي كان يريد اورويل أن يحذر الناس منه : المثقف الذي يصبح منبهرا بالقوة بشكل سادى . و قد كانت شخصية اوبريان متوافقة مع الفهم الجماهيري لإغراء ممارسة الشمولية في هذا الوقت ، حيث أن ذلك الأمر مترسخ داخل ممر مظلم في النفس البشرية . و قد قال ارثر شيلزنجر أن (( هتلر و ستالين موجودون في داخل كل شخص )) ، و ضمن تلك المقولة في المانفيستو الليبرالي الخاص به ( المركز الحيوي ) الذي صدر في نفس عام صدور 1984 .

بعد ذلك بكثير غير شيلزنجر تفكيره و رفض ما اسماه اورويل ب(( النظرية الروحانية للشمولية )) . ذلك لأننا لسنا جميعا مثل اوبريان ننتظر الفرصة لتعذيب جميع ( وينستونات ) العالم . و أننا جميعا أكثر إعجابا بجميع الوينستونات الذين يعرفون أن ذلك الشئ خاطئ ، و لكنهم أيضا يعرفون انه ليست لدينا القوة لكي نقاوم .

مثال تافه نضربه على ذلك الأمر و ذلك حينما نضغط على زر ( أنا موافق ) في الصندوق الحواري الذي يشرح سياسة الخصوصية الجديدة للتطبيق الخاص بنا . و لا نعلم ما هي سياسة الخصوصية القديمة ، و شعورنا بالخوف يؤكد ذلك فإذا قرأنا السياسة الجديدة فإننا لن نفهم ما الذي تغير ، و ما السر الذي أفشيناه . نحن نشك في اى شخص أخر يضغط على الصندوق الحواري . و لذلك فنحن نضغط على الصندوق الحواري ، و نحن نحلم بعالم ليس فيه صناديق نضغط عليها . مثال غير تافه على هذا الأمر و ذلك حينما يتم إفساد عمليتك الانتخابية من قبل قوة أجنبية ، و تتحدث حكومتك عن اتهام الأشخاص الذين يحاولون التحقيق في هذا التدخل بالخيانة . هذه هي الاورويلية . و هي لم تعد نبوءة . لقد صارت عنوانا رئيسيا في نشرات الأخبار . 

رابط المقال الاصلى 

https://www.newyorker.com/news/daily-comment/1984-at-seventy-why-we-still-read-orwells-book-of-prophecy


  • 3

   نشر في 03 يناير 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا