ينطوي الحراك الجزائري على عدد من الثغرات الواضحة للعيان، مِن ذلك أنه بدأ يحيد عن مساره السليم بعد أسابيع قليلة من بدايته، بالإضافة إلى رفض الشعب لإجراء الانتخابات الرئاسية بتاريخ 4 تمّوز/جويلية الماضي، مما سمح للحكومة الحالية (المؤقتة) بالاستفادة من الوقت بدل الضائع، واللعب على مختلف الأوتار للالتفاف قدر الإمكان على المطالب الشعبية.
شعار "يتنحّاو قاع" أصبح فضفاضا ولا معنى له، مع أنه تعبير عن التغيير الجذري، ولكنه يطرح بالمقابل مسألة الإقصاء من عدمها، ومسألة كشف الحقيقة التي هي عنصر أساسي من عناصر العدالة الانتقالية، فضلا عن تغيير وإصلاح المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
لقد رأينا كيف أن الحراك في السودان قد اتّصف بالعنف والقمع منذ بدايته، وعلى عكس الحالة الجزائرية فقد حدث انقلاب عسكري للإطاحة بنظام عمر حسن البشير، واهتم المتابعون بالشأنين الجزائري والسوداني باعتبار الأول نموذجا للحراك الشعبي السلمي في المنطقة العربية عكس الثاني. لقد رأينا كيف أن قوى المعارضة والمجلس العسكري في السودان وقّعا على الوثيقة الدستورية في نهاية المطاف، في صورة عكست حالة من التوافق والأمل المتجدد لدى أطياف المجتمع السوداني، في حين لا يزال الحراك في الجزائر يُراوح مكانه بشعار فضفاض، وانتخابات مؤجلة إلى حين، وحديث عن ندوة وطنية للحوار لم تحظَ بقبول الشعب. في المقابل، يُمارَس التضييق على بعض المبادرات الجادة، التي تتخذ من القاعدة الشعبية نقطة انطلاق لها، وهو الأصح، مثل مبادرة عقد عين الصفراء لحلحلة الأزمة في الجزائر.
هذه المبادرة تعد من أبرز ما طُرح على الساحة في الوقت الراهن، خاصة وأنها تنطلق من القاعدة الشعبية (من القمة نحو الهرم) وتضم مئات الكفاءات الشابة عبر الوطن، بالإضافة إلى أنها وضعت مشروع قانون (مسودة قابلة للمراجعة) يتعلق بإنشاء وتنظيم الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات، فضلا عن بعض المقترحات الفردية الجادة في إطارها.
السؤال المطروح هنا: لماذا تتم عرقلة هذه المبادرة وفي هذا التوقيت بالضبط؟
ما ألاحظه هو أن الحكومة الحالية (المؤقتة) ترفض الحوار مع الشعب، وتتظاهر بأنها تدعم الحوار الوطني بكل حيادية!
قمة النفاق السياسي.. فكيف للجزائر إذًا أن تخرج من عنق الزجاجة، بعد ستة أشهر من الحراك الشعبي الذي لا يزال الغموض يحيط به وبمصيره؟
باختصار، الوضع في الجزائر شديد التعقيد، على عكس ما قد يراه البعض، والحكومة والجيش يتعاملان بذكاء، لكنه بالتأكيد ليس ذكاءً في صالح مستقبل البلاد..
-
عمّارية عمروسأستاذة وباحثة جزائرية، متخصصة في الشؤون الأمنية والإستراتيجية. شاركت في عديد الفعاليات العلمية داخل وخارج الوطن، ولي دراسات ومقالات منشورة.