كي لا أتكدس - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كي لا أتكدس

  نشر في 06 غشت 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

 حين كنت صغيرة تسائلت طويلا عن السبب الذي يجعل الأواني الجميلة و المزخرفة وقفا على الضيوف .. و عن هذا النظام الأخرق الذي فرض أول مرة حظر التجوال في البهو ..

و حين يأتي الضيوف كنت أتأمّل السجاد المزركش و ألوان الأرائك و الستار بتخشّع و مرات كثيرة كنت أنظر للمكتبة بالزاوية و لا أصدق أبدا أن الكتب يمكن أن تكون منفصلة عن بعضها .. كان يبدو كل شيء متلاحما متجانسا و مرتبا بطريقة عظيمة و كنت أبدو بينهم كضيفة غريبة !

بعدها بدأت أتسائل عن الصُّدفة التي تجعل سراويل البدينين أوسع منهم و عن اللعنة التي تجعل الشاخرين ينامون دوما أولا !

و شغلني لوقت لا بأس به سبب عدم تحطم العلبة السوداء حين تصير الطائرة أشلاء و لم لا تُصنع الطائرات من تلك المادّة فقط ؟

 و ما سرّ ميل الناس لتداول الإشاعات بسهولة و لتصديقهم لكل ما هو مطبوع بالورق أو مبثوت بالتلفزة ؟ و لماذا نتشبت بعلاقتنا الغرامية المحبطة مع صندوق النقد الدولي و لا نكتفي بإصدار أوراق مالية أكثر من دار السكة و حسب؟

و أحيانا كنت أجنح لأسئلة تجعلني أشرد لوقت طويل في دوّامة من الفراغات فمثلا إن كنا أمام إنسان ولد أعمى كيف يمكن أن نشرح له معنى الألوان ؟

و هل إن علمت البقرة أنهم بالهند يعبدون بني جنسها هل ستركب هي الأخرى قارب موت لتكون هناك ؟

مع مرور الوقت استطعت أن أجد بعض الإجابات و أن أتسائل عن المزيد .. لكن الشيء الذي لازال يثيرني أحيانا كثيرة هي ملاحظات أخرى صغيرة رغم بساطتها إلا أنها تعري طبيعة البشر المركّبة، فهم مثلا يميلون للبحث بحماسة و شغف عن معنى أسمائهم و الواحد منا حين يريد تجريب قلم يكتب اسمه و حين يعلم أن أحدهم يحمل نفس اسمه يراقبه بحذر حتى دون أن ينتبه لذلك ..

كما أن البعض يُقبل بجدّية على مواضيع من طينة إعرف شخصيتك من لونك المفضل أو من عيونك أو طعامك أو حذاءك و لا أعرف ماذا أيضا، كما تشدّني البلادة التي يقبلون بها على العناوين التسويقية التي تلخّص فكرة "كيف تحقق المستحيل في خمسة أيام" عوض تعظيم فكرة "كيف تحقق الممكن على دفعات" !

كما نعايد و نبارك لبعضنا تواريخ ميلادنا و حلول سنة أخرى في التقويم و نتمنى لبعضنا عمرا مديدا قد يترجم بالعقبى للمئة سنة في حين أن ثلثنا متذمر من الحياة و الثلث الآخر يفكر لو أنّه وصل محطّة النهاية ليرتاح و البقيّة الآخرون يهيمون على وجوههم إلى أن تأتي الساعة و يقضي الله أمرا كان مفعولا ..

إننا نؤجل الحياة عوض عيشها أو نراقب الآخرين و هم يعيشون، إن الأمر أشبه بذلك الإحساس الذي ينتابك و أنت تحدّق برويّة في أحد تعلم أنه لا يراك.. أو و أنت تحملق في رسالة نصّية لا تعلم إن كنت ستجيب عليها أم لا ..

بل هو أقرب ما يكون لتلك الحتمية التي تحاصرك حين تطلّ من فوق ناطحة سحاب على عشرات الأجسام الصغيرة فتدرك إلى أيّ حدّ نحن لا نشكل سوى مرحلة عفوية بالتاريخ!


 أسفا علينا إننا نحب بقوة و نكره بعنف و ننسى ببطء و نموت و نحن على قيد الحياة ..



  • 8

   نشر في 06 غشت 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

Abdou Abdelgawad منذ 6 سنة
كلماتك ومشاعرك الصادقة هى تذكرة المرور لقلب كل قارىء لك ، ولابد ان نشعر بالرضا ونامل فى الغد الأفضل الذى هو فى النهاية بيد الله عز وجل ، فليس هناك مستحيل طالما أننا نعد له العدة بخطوات التنفيذ ( أو على دفعات) كما ذكرت فى خواطرك لابد أن نعيش الحياة بكل لحظاتها ولانضيعها بمراقبة الاخرين الا لو كان ذلك بغرض التعلم والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم عندها لن نكون ( مرحلة عفوية بالتاريخ) لابد ان نعيش الحياة بحلوها ومرها ونتحمل ونقاوم ونتعلم انها دعوتك الجميلة التى اضم صوتى لصوتك بها وباعلى نداء ليسمع الجميع .. تحياتى وارجو لك كل التوفيق .
1
عمرو يسري منذ 6 سنة
كلماتك صادقة لأنها نابعة من القلب دون أي تفلسف أو زركشة, لذلك فقد أحسست بها في صدري. صدقتِ فنحن نؤجل الحياة كثيراً ونربطها بأشياء وأشخاص آخرين. ربما لأننا نحتاج لمن يسير معنا دربنا حتى لا نشعر بالوحدة.
لكن اطمئني فستجدي بيننا من يسمعك ويشعر بكِ أيضاً فاستمري بالكتابة.
وفقكِ الله في كل أمور حياتك.
1
السعدية بن التيس ( صحيفتك فملأها بما شئت )
شكرا لدعمكم وكلماتكم وتشجعاتكم كذلك .. كونوا بالجوار رفاق
Salsabil Djaou منذ 6 سنة
لا أدري كيف أصف شعوري و أنا أقرأ مقالك ، أحب جدا ما تكتبين ، لن تتكدسي بيننا أبدا ، انتظر مقالك القادم بشوق ،دام إبداع قلمك الرائع.
2
السعدية بن التيس ( صحيفتك فملأها بما شئت )
ولا أحسب أنك تدرين ماذا تفعل حروفك بي تتراقص كلماتك بنغمات الفلامينكو .. اكرمك الله عزيزتي

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا