منذ عهدت الأحرف فضلت الكتابة! كنت أجمع كتبًا و أعيد كتابة الصفحات و كلما واجهت صعوبةٍ في فهم مفردة أتجهت لوالديّ اسألهم عن معناها ، طفلة مثلي كانت تحب القراءة و الكتابة حتى وصلت للصف الثالث ما عادت الكتب تشبع رغباتي ، أول كتابٍ عملاق أقتنيته في حياتي كان "موسوعة الحيوانات" وكان لا يفارقني كل مرةٍ يزداد شغفي في الصفحة التالية ماذا أجد من معلومةٍ غريبة! و قد فرغت منه و هممت بالذهاب إلى مكتبة لأبتاع كتابًا و كنت في عمرٍ صغير ومن هم مثلي يشترون كتبًا للتلوين أو جمع الملصقات إلاي! ذهبت إلى قسم الموسوعات أشرت بالسبابة! هذا الكتاب الذي أريده "موسوعة الأنسان" وجدت تفصيلًا دقيقًا و كان يجمع الأعضاء و الأجزاء و الأمراض و حتى كريات الدم لم يغفلها و سرعان ما انهيته و بنهم طلبت الآخر موسوعة النباتات ، كنت أقدس الكتب لما فيها من معلومات! انا لا اقرأ لأستمتع ، انا اقرأ لأن بداخلي نار هائمة و لا يمكن أخفاؤها أو تدجينها كانت تلتهم المعلومات حرفًا حرفًا! وكنت لا أرغب بصديقٍ لي غير الكتاب و أذكر أول مرةٍ قلت فيها مسطلح عربي فصيح و نهرتني معلمة الرياضيات آن ذاك حتى وددت أن تغص بي الأرض من شدة حيائي انا التي طالما كنت الصميته التي لا يخرج منها صوتٌ نطقت بكل شغف "انسان فاحش الثراء" لتلتقطها المعلمة بصيغة بشعة و ترد عليّ "ان سمعتها تقوليها مرة ثانية مزعت اذانيك" جعلت النار تخبو في دواخلي ، تسألت تلك الفترة "أوكل ما تعلمته كان يستحق أن (تُمزع اذاني)؟" خيرٌ لي أن لا أقرأ إن كان ذلك سيئ! اتممت الحادية عشرة من عمري و ذهبت إلى مرحلة جديدة أكتشفت بها قدرتي على الكتابة و التعبير بعمق! ما كنت اعلم قبل ذلك بأنني أستطيع نسج قصةٍ كاملة بكل أتقان كتلك! كنت أصب الحروف على الورق صبًا ولا أكتفي على اغلفة الكتب و الدفاتر و الطاولة و حتى الكرسي لم يسلم! كنت اكتب قصةٌ هنا ، خاطرة تعبر عن مدى كرهي لمادة معينة و كنت أجاري الأبيات ، كانت أحب فقرةٍ لدي عندما تأتي حصة الفراغ لأكتب على السبورة فمزيد من المساحة تعني مزيدًا من المتعة اللا محدودة من الكتابة! اخترق الهيام نصوصي فكنت لا اطيق صبرًا عن أمرٍ يثنيني عن الكتابة! لا استطيع اود الكتابة فقط و بداخلي لواعج حبٍ أبت أن تهدأ ولكن مراهقة طيشاء مثلي لن تتبع عواطفها و لكن ستكتب قصةٍ علها تشفي سقم القلب ... و ذات يومٍ مشؤوم كتبت أول نصوصي التي كانت تحكي عن حب سقيم اخرج ورقةٍ لم أجد لها مثيل لا أعلم من أين أتيت بها ولكن كانت ضخمة فأخذت أنثر عليها الكلمات نثرًا غير مرتب وفي أعلاها أسم من أحببت لكي أتأمله مليًا و أكتب له كأنني أراه! ذهبت الحصص نسيت أمر مخطوطتي إذ بصديقتي تهمس لي "بشاير وين ورقتك الي تكتبين فيها"؟ هممت للبحث عنها ولم اجدها ، ضحكت و اردفت قولًا سمعته كـ طنينٍ مزعج "ورقتك وصلتها لحبيبتك" ويحك يا فتاة ما اجرأك! صمدت و كنت أمثل الرضاء و داخلي يستشيط على فعلها ولكن ماذا عساي أن أقول و أفعل! في آخر حصةٍ قررت الذهاب إلى دورة المياه! إذ بالشخص المحبب يقول لي "فلانة جابت الورقة حقتك بس ما قريتها ما ادري وين حطيتها" ابتسمت رضاء و تنفست الصعداء ، لم أكتب شيئًا مريب ولكن أن يأخذ شخصًا كتاباتي و يصلها بمن أحب هنا لا أستطيع أن أصف بشاعة شعوري! أنا لم آذن لك حتى تأخذ أسراري غفلةٍ و تفشيها كأمرٍ مباح لك! و كان آخر عهدي بالكتابة حينها ، لماذا أضع نفسي في مواضعٍ كهذه مرة اخرى؟ لماذا أصلًا أكتب؟ و حتى إلتحقت بالثانوية كنت أسوّف لحل الواجبات لأكتب ، اقرأ لتهدأ نار المفردات ، لأبدع من جديد في نصٍ أعتدت عليه في مفردات أقل من الفصحى فأرفع مستواهالتليق بشخصي و ترقى لوقفتي عند كل نقطة.
-
بشاير فلاحهنا حرف أبى أن يستكين ، حالفًا أن لا يقف إلا بأذن من ربه.