الحراك الشعبي الإيراني بين بن سلمان و ترامب .
نشر في 08 يناير 2018 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
مبدئيا ، أعبر عن أنني لست مناوئا لإيران ، و في نفس الوقت لست من أنصارها ، و لا من الراضين عن سياستها الداخلية و الخارجية ، و نفس الشيء و بدرجة أشد أقوله عن سياسة المملكة السعودية و الإمبراطورية الأمريكية (خصوصا العلاقات الأمريكية-العربية) ، فكلهم في قمع المواطنين سواء ، كلهم في استحمار و تثبيط إرادات الشعوب للحرية و الكرامة أنداد و جلادين ، إذ ما إن يتفق الإحتجاج لشعب ما ضد شمولية نظامه سياسي ، حتى يسارع هذا النظام دون استحياء إلى اتهام جهة خارجية بالتنظيم و التخطيط لهذا الحراك الإحتجاج .
هذا ما تجسد في رد فعل الدولة الليبية و المصرية و السورية ضد الثورة ، و قبل شهور تجسد في مواقف جهات مغربية (اجتماعية و سياسية) ضد حراك الريف ، و مؤخرا تمثل في رد فعل السلطة الإيرانية اتجاه ما عرفه الداخل الإيراني ، من حراك اجتماعي دعى إلى حقوق مشروعة ، كالتنفيس عليه و تحريره من الجبروت السلطوي للنظام ، و كذا المطالبة بتحسين ظروف العيش و تطوير الخدمات و تعميمها ، هذا و غيره من المطالب التي يطالب بها أي شعب يشعر بالحيز و الإقصاء .
لا يخفى على من يمتلك قدرا و لو ضعيفا من الوعي السياسي حول العالم الإسلامي ، أن شعوب المنطقة تعاني من ضعف الإستقرار الإجتماعي و السياسي ، و تعيش النكد و الفقر و الإملاق ، و يستحكم بسلطتها السياسية الإستبداد و الديكتاتوريات المطلقة ، بالإضافة إلى سوء و ضعف الخدمات التي تقدمها هذه الدول لرعاياها من سكن و تعليم و صحة و غيرها ، و مع هذا كله إذا انفجر صبر شعب من هذه الشعوب و انبعث على شكل احتجاج ضد هذه الأوضاع المزرية ، نجد الأنظمة تقمعه عبر أجهزتها السلطوية و الرمزية ، ليس ذلك فحسب بل نرى هذه الأنظمة بكل وقاحة تنسب الحراكات الإجتماعية التي تقوم ضد سياساتها إلى جهة خارجية ، دون نظر للأسباب الداخلية المجحفة التي تجعل الحمير و الجحوش تنتفض فضلا عن الإنسان ؛ لو تعامل معها مالكها بالطريقة التي تتعامل بها الأنظمة العربية و الإسلامية مع شعوبها .
هذا الإتجاه ما نسج على غراره النظام الإيراني اتجاه انتفاضة الشعب الأخيرة ، إذ اتهم السعودية و أمريكا و اسرائيل بالتخطيط لهذا الحراك لضرب استقرار البلد الداخلي و هدم النظام الإسلامي المقدس في نظر الخمينيين الذين يأبون الإنقراض ، و ذلك دون أن يكلفوا أنفسهم فرصة الإطلال و لو سريعا على مرتبة إيران في تقارير المنظمات الدولية في كل من قطاعات المجتمع الكبرى ، فضلا عن وضعيتها المتدنية حسب مؤشرات حقوق الإنسان و الديموقراطية و المساواة بين الجنسين ، ما به يعتبر أي شكل احتجاجي ليس فقط نتيجة حتمية بل ضرورة إنسانية ، هذا ليس مقصورا على إيران بل على معظم نظم المنطقة . فلماذا تسلك هذه الأنظمة مسلك الإستنكار و الإتهام في كل مرة ينتفض فيها الشعب ، بدل وضع أجهزتها موضع المسؤولية و المحاسبة ، و بالتالي استئناف إصلاح ذاتيتها و سياساتها ؟
من يتأمل في حالات و حياة رؤوس هذه الأنظمة (ملوك و رؤساء) ، يجد أنهم يعيشون و يتصرفون ليس باعتبارهم بشر أو مسؤولون على ذمتهم شعوب و أمم ، بل و كأنهم "آلهة صغيرة" ، ذلك أن من أخص خصائص الآلهة هو "العصمة" أو عدم الخطئ ، نفس الشيء يختص به هؤلاء الرؤساء ، و هو ما تسوقه للناس الأجهزة الآديولوجية لهذه الأنظمة كالإعلام و السلك الكهنوتي (الشيوخ) ، إذ تجد أن بلدانهم تعيش على وقع الخراب و الإنهيار و التلاشي ، و مع ذلك تجدهم يتجردون من المسؤولية و كأنهم لم يخطؤوا ، و يقرون خلافا للواقع على أن الخطأ آت من الخارج أي من الأعداء ، لا من الداخل الذي يعني الرئيس و الحكومة و الأحزاب السياسية ، أو بشكل عام من هم في موقع السلطة .
الأدهى من ذلك ، هو عندما تقمع هذه الأنظمة غضب الشعوب بسبب هذا الإفتراء ، ثم في نفس الوقت تدعي بأن حرية التظاهر و الإحتجاج مضمونة دستوريا لكل المواطنين ، إذ بمجرد أن ينزل الشعب للشارع تنزل بإزائه أجهزة القمع حيث تصده عن مطالبه المشروعة متهمتا إياه بالخيانة و العمالة للخارج ، و عندما تحصل المجزرة في المتظاهرين يخرج علينا موضفوا النظام ، ليصرحوا بكل دنائة بأن "حرية الإحتجاج مضمونة" ، كيف مضمونة و المحتجون قد لحق بهم ما لحق من تعنيف و سحل و اعتقال ؟
أخيرا ، لا نرى رتقا لهذه الغمة في الأفق ، فالإستبداد في العالم العروبي و الإسلامي كلما طال الزمن تجبر و تفرعن أكثر ، ما يحتم على هذه الشعوب إن هي أرادت الخلاص منه ، أن تناضل و تقدم ليس فقط أنهار من الدماء بل بحار و محيطات إذا أرادت فعلا أن تعيش الكرامة و الحرية .