العلاقات العربية الإسرائيلية ... و مآلات التطبيع
نشر في 29 يناير 2021 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
تميزت الفترة الأخيرة مسارعة بعض الدول العربية إلى توقيع إتفاق سلام مع الجانب الإسرائيلي بداية من الإمارات العربية المتحدة و بعدها مملكة البحرين و أيضا جمهورية السودان و المملكة المغريبية مؤخرا ودول عربية أخرى قادمة ... دون أن ننسى إتفاقات سلام السابقة مع كل من جمهورية مصر العربية عام 1979 و لبنان عام 1983 و أيضا المملكة الأردنية الهاشمية سنة 1994 م
ولكن رغم كل هذه الإتفاقيات الموقعة إلا أن منطقة الشرق الأوسط تعد من أكثر مناطق العالم توترا و اللااستقرار
ويبقى السؤال المطروح : هل يمكن لإتفاقات سلام الموقعة سابقا و مؤخرا مع إسرائيل برعاية أمريكية أ تخمد من شدة التوتر و تحقق الإستقرار في المنطقة أم تؤدي إلى مزيد من الفوضى و الحروب ؟؟
فجمهورية مصر العربية التي هي أول دولة توقع إتفاق سلام مع إسرائيل فمن بين الأسباب التي دفعها لذلك هي هزيمة حرب 1967 و العدوان الثلاثي سنة 1956 و أيضا الإنتصار الغير كامل لحرب 1973
أما لبنان فقد وقعت إتفاق سلام في عهد الرئيس " أمين جميل " في ماي 1983 و تلتها الأردن في إتفاق واد العرب سنة 1994 و الذين رفعوا كلهم شعار " الأرض مقابل السلام " و أيضا ما تبلور عن المبادرة العربية سنة 2002 و التي تقر بإمكانية التطبيع مع إسرائيل شرط التنازل عن أراضي المحتلة سنة 1967 و قيام دولة فلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية
أما الدول العربية التي وقعت مؤخرا مع الجانب الإسرائيلي و نقصد بكل من الإمارات العربية المتحدة و مملكة البحرين و جمهورية السودان و المملكة المغريبية ... فأسباب توقيعهم لهذا الإتفاق يعود إلى بروز تحديات أخرى و مواجهتهم لتطورات جديدة على الأرض فهي تتمثل في : الخطر الإيراني و الجماعات الإسلامية و على رأسهم " جماعة الإخوان " و أيضا النفوذ التركي مؤخرا
أما المغرب فالتحدي التي كانت تخوضه هي عدم الاعتراف الدولي بشرعية المغرب في السيطرة على أراضي الصحراء الغربية و الحصول على الدعم الامريكي ...
إذا كلها تحديات و عوامل دفعتهم للتقرب من تل أبيب و تكوين حلف جديد ، دون أن ننسى موجة الربيع العربي و تأثر بعض الأنظمة الملكية لهذا التغير الحاصل إضافة إلى رغبة الولايات المتحدة الأمريكية من تخفيف قواعدها العسكرية في المنطقة و مواجهة الصين و الروس في الشرق
كلها تحديات أجبرت هذه الدول إلى الإحتماء بإسرائيل كونها ليست هي العدو الأول للعرب بل إيران و تركيا و الجماعات الإسلامية هي من تهدد إستقرار أنظمة هذه الدول بمعنى أنهم بمجرد توقيعهم لهذا الإتفاق تلقائيا تم التخلي عن شعار " الأرض مقابل السلام " إلى " السلام مقابل السلام " أي السلام و الحماية من الخطر الإيراني و التركي و الجماعات الإسلامية
وفي الجهة المقابلة شيطنة ممنهجة للفلسطينيين من خلال فساد النخب الفلسطينية و إضاعتهم لعدة فرص السلام و أخطائهم المتكررة طيلة أكثر من 70 عاما و كذا عقوق الفلسطينيين { المصطلح المستخدم من طرف بعض الدول العربية }
فعند العودة إلى مصر نجد أن من نتائج ثورة 25 جانفي أن جماعة الإخوان تمكنوا من الوصول للحكم و إنتخاب " محمد مرسي " رئيسا لها خلفا للمخلوع " حسني مبارك " و بعد جولات من الإنتخابات المختلفة إلا أن ذلك لم يدم طويلا لأن إسرائيل أصبحت تشعر بالخطر من حكم الإسلاميين و حدث بعدها إنقلاب عسكري بقيادة الجنرال " عبد الفتاح السيسي " لأن إسرائيل لا يمكنها التعامل مع الأنظمة الديمقراطية للدول العربية خاصة المتواجدة على حدودها بغض النظر عن طبيعة توجهات و إيديولوجيات من يحكمون
أما لبنان فقد أجبر على توقيع إتفاق سلام سنة 1983 في عهد الرئيس " أمين جميل " و إلى رفض كل أنواع العنف مع إسرائيل و تصبح لبنان دولة صديقة لإسرائيل برعاية أمريكية في عهد الرئيس الأمريكي " رونالد ريغن "
لكن إتضح فيما بعد أنها خطوة قصيرة النظر و بعدها إنهار نظام الرئيس " أمين جميل " و معها إتفاق سلام مع إسرائيل و صعود التيارات و القوى الرافضة في لبنان كحركة أمل و حزب الله إضافة إلى النفود السوري و الإيراني و ضعف التأثير الأمريكي فيها
فالتاريخ يقول : أن مثل هذه الإتفاقات تكون مؤقتة تحت حكم أمر الواقع و لكنها سرعان ما تنهار و تتلوها فترة من العنف و الحروب ...
أما الدول العربية التي وقعت فقط مؤخرا إتفاقات سلام مع إسرائيل فنأخد أسباب دولة الإمارات و السودان و المملكة المغربية كنوذج في التوقيع على هذا الاتفاق
أولا : الإمارات العربية المتحدة هي دولة ثرية جدا مزدهرة إقتصاديا و مستقرة سياسيا و أمنيا ، لكن موجة الربيع العربي أثّرت فيها بطريقة أو بأخرى ، لذا حاولت أن تجهض هذه الثورات و تحاول على إستقرار الأنظمة العربية القائمة ملكية أو جمهورية { دكتاتورية عسكرية } و أن تمنع التيار الاسلامي من الوصول الى الحكم ، لذلك تقرّبت من تل أبيب محاولة منها لزيادة الإستقرار و توسيع إقتصادها و الإستفادة من التكنولوجية و القوة العسكرية لإسرائيل و عقد شراكات في مختلف المجالات و الحماية من ايران و حلفائها و من المد التركي في المنطقة
ثانيا : جمهورية السودان فهي دولة تعاني في كل المجالات الإقتصادية و السياسية و العسكرية و حتى في الساحة الإقليمية و الدولية ، فالسلطة المشكلة من سياسيين و عسكريين { المجلس الانتقالي } بعد سقوط " عمر البشير " من الحكم
فالسودان كدولة لم تكن أبدا من أولوياتها و أن تتقرب من إسرائيل بحكم الأوضاع التي تعيشها سابقا و حاليا فقد أجبرت على ذلك من أجل الحصول على مساعدات دولية و قروض و رؤوس أموال من أجل الإستثمار في النهوض بالإقتصاد و تحسين صورتهم على الساحة الدولية و دفعها لمبلغ معيّن للولايات المتحدة من أجل رفع إسمها من الدول الراعية للإرهاب و فك العزلة الدولية عنها و التغاضي عن جرائم التي اركبها نظام البشير { الرئيس السابق } في دارفور
ثالثا : أما المملكة المغربية فهي من الدول التي لها علاقة مع إسرائيل منذ الستينات من القرن الماضي و تطورت العلاقة الى فتح مكاتب للاتصال في التسعينات في عهد الملك الراحل " حسن الثاني " و بسبب انتفاضة الاقصى 2005 توترت العلاقة و اغلقت هذه المكاتب و ظلت العلاقة بينهما بين التوتر و التفاهم ... إلى أن شعر النظام المغربي بطول مدة الصراع و بالعزل الدولي و فشل في كسب الدعم حتى من اقرب الحلفاء وهي فرنسا من تأييد خطواته في الصحراء الغربية ، ففكر في ترسيم العلاقة مع تل أبيب لإدراكها أنه الطريق الأقصر للوصول الى البيت الأبيض و كسب التأييد منه ... وهذا ما حصل ...
ففي كتاب للمؤرخ " ديفيد فرامكين " إسمه " A PEACE TO END ALL PEACE " بمعنى " سلام الذي ينهي كل سلام "
و يبقى السؤال المطروح : هل ستستفيد السودان و المغرب من هذا الإتفاق أم أنه سيكون مثل سابقيه ينحصر بين الأنظمة و الحكومات فقط ؟؟
وهذا الذي تخشاه إسرائيل من تكرار سيناريو لبنان و مصر و إلى محو كل فرص السلام مستقبلا .