كيف نواجه المؤامرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كيف نواجه المؤامرة

  نشر في 08 مارس 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

كيف نواجه المؤامرة ؟؟

ليس في إمكان أحد أن ينكر وجود المؤامرات وإلا كان مغرقا في السذاجة ومفرطا في حسن النية بالآخرين ، ذلك أن المؤامرة في أحد التعريفات البسيطة ، هي الخطط التي تضعها الأمم لتحافظ على مصالحها وحسن سير الأمور فيها ، بصرف النظر عمَّا إن كانت تلك المصالح مشروعة أم غير مشروعة ،ووسائلها نزيهة أم خبيثة ، وبالتالي فهي عمل من صلب الأعمال السياسية للدول . غير أن الفكرة تكمن في أن الأمة – أيا كانت - إما أن تضع الخطط لمستقبلها ، وإما أن تكون هي نفسها من ضمن خطط الآخرين ، وبالنتيجة فمن لا يخطط (= يتآمر ) يتحول إلى مجرد محل لمؤامرات الآخرين وساحة للعبهم .

هذه الحقيقة – كون المؤامرة حقيقة لا وهما – يقع أن يبني عليها الكثيرون نتائج غير حقيقية ، حين يحولونها إلى مشْجَبٍ يعلقون عليه كل ما يلم بهم من مشكلات، ويفسرون من خلالها كل ما يحل بهم من مصائب وكوارث وفشل وتخلف. وهو ما بات يُعرَف فلسفيا بنظرية المؤامرة .والمشكلة التي تجعل نظرية المؤامرة هاجسا مرضيَّاً ، لا تكمن في الإعتقاد بوجود المؤامرة وتواترها- فهي من طبائع الأشياء كما قلنا- وإنما المشكلة هي في طريقة النظر إلى أمر وجود المؤامرة وفي طريقة التعاطي معها .

فالمجتمعات الحية واليقظة ، تواجه المؤامرة بمؤامرة مضادة إن صح التوصيف ،(يكيدون كيدا ونكيد كيدا ) من خلال العمل المستمر على رصدها ، وتتبع مساراتها ، وتحصين الثغرات التي يمكن أن تنفذ منها إلى جسم المجتمع ، وهو أمر يحوِّل المؤامرة إلى عامل إيجابي ، يؤجج قلقا صحيَّا، ويولد حركة وديناميكية تسهم في نمو المجتمع وتطوره . في حين أن المجتمعات المريضة - ومجتمعاتنا العربية للأسف منها هذا إن لم تكن في مقدمتها – تواجه المؤامرة بطريقة ما ورائية ، حيث يسيطر شعور ، أو يسود ما يشبه الاعتقاد ، مفاده أن الخضوع للمؤامرة والوقوع في شراكها أمر حتمي لا مفر منه, فطالما أن الأعداء يكيدون , فسينجحون وسنبقى ضعفاء مذلين مهانين متخلفين مُسْتَعْبَدِين . فنحن ننظر بيأس وعجز إلى خيوط المؤامرة التي يحيكها الآخرون حول أيدينا وأعناقنا , ونرى أن من المحال التخلص منها والانطلاق نحو ما نريده لأنفسنا ونتمناه .

والمشكلة تكمن أيضاً في الوهم الذي نكاد نقدسه والذي يتلخص في اعتقادنا أنه حتى نتمكن من تحقيق النهوض وجني الآمال ، لا بد أولا من أن يَكُفَّ الآخرون عن التآمر ضدنا , وإلا فلا حلَّ ولا مستقبل .وحيث أنه من غير المُتصوَّر أن يفعل (الأعداء) ذلك , فإنه بالتالي لا أمل في أن نتمكن من تحقيق نهضتنا والخروج من حالة العطالة التي تغلف حاضرنا وتترصد مستقبلنا .

وحتى نتمكن من الخروج من هذا الوهم : وهم حتمية الخضوع للمؤامرة وحتمية نجاحها، وكذلك وهم أنه لانهضة ولانجاح في أي مجال من مجالات الحياة مالم يتوقف أعداؤنا عن الكيد لنا ووضع عصيهم في عجلة تقدمنا ، حتى يحصل ذلك ؛ لا بد من تغيير نظرتنا إلى المؤامرة من كونها أمرا مستهجنا أو مستغربا أو مستنكرا .إلى كونها أمرا طبيعيا لا يصح أن نتوقع غيره . فمن طبيعة الأعداء ، أو المنافسين بتعبير مُلَطَّف ، أنهم لا يريدون الخير لأعدائهم ، وإلا كانوا أصدقاء وأحبابا وليسوا أعداء. أهمية هذه الخطوة تكمن في أنها ستحررنا من حالة اليأس والعطالة والجمود وانعدام الحيلة ، وتنقلنا إلى حالة الأمل والفعل والحركة ،لأنها اعتراف بمكمن المرض وأنه فينا وليس خارجا عنا ، هو في أنفسنا وفي ثقافتنا وفي تاريخنا وفي نوعية فهمنا لديننا .وهذه أولى خطوات الحل .

لا بد من إيقاف اسطوانات النواح واللوم والشكوى واتهام الآخرين بالتآمر وتبييت الشر،لأنها عدا عن كونها جهود عبثية تشبه حرث الهواء ، تفاقم من المشكلة ، وتحرف النظر عن مكمن الداء الحقيقي .وعوضا عن ذلك النضال المزيف ، لا بد من أن تتوجه الجهود وتتركز في بؤرة الاتجاه الفاعل المنتج، وهو ممارسة النقد الثقافي على مختلف الأصعدة ، لاكتشاف نقاط الضعف الكامنة فينا ، والتي يتسلل من خلالها الأعداء إلى صفوفنا وتدعيمها وتحصينها . أي الانتقال من حالة الانفعال أو رد الفعل إلى الفعل .

فهم يتآمرون لتجهيلنا ، فلنعمل نحن على رفع منسوب العلم كمَّا ونوعا .

وهم يتآمرون لفقرنا ، فلنعمل على استثمار طاقاتنا وثرواتنا فيما يعزز اقتصاداتنا ويفاقم ويراكم ثرواتنا .

هم يتآمرون لإبقائنا سوقا مستهلكة لمنتجاتهم، فلنعمل نحن على تعزيز صناعاتنا وزراعاتنا ، ولتتوجه جهودنا التربوية إلى تدعيم ثقافة الانتاج ، ومكافحة ثقافة الاستهلاك .

هم يريدون للفساد أن ينخر جسد أمتنا ، فلنثوِّر الإيمان والتقوى ، وأخلاق العفة والطهارة .

هم يريدون للطغيان أن يمتطي ظهورنا ، ويحول بلادنا إلى حظائر ، فلنمتط نحن صهوة الكفاح والجهر بالحق ، والوقوف الشجاع في وجه الظلم ، ولنربِّ في نفوسنا ونفوس أبنائنا العزة والكرامة .

هم يسربون مؤامراتهم عبر شقوقنا الطائفية ، وخلافاتنا المذهبية ، ويستغلون بعض الآراء الدينية التي تعمل كبراكين نشطة تثور لأدنى حركة ، فيؤججونها في الوقت الذي يشاؤون ، فلنعمل على تعزيز وحدتنا ، ودفن خلافاتنا التاريخية ، وإطفاء حرائقنا المذهبية ، ولنرمم تصدعاتنا الفكرية، ولنطهر ثقافتنا من كل رأي واجتهاد مدمر .

وهكذا مع كل نقطة من نقاط ضعفنا ، وبهذا نحول المؤامرة من عامل سلبي مدمر ، إلى عامل إيجابي منور ، لأنها ستصبح مؤشرا يدلنا على المناطق الرخوة والمسارب المجهولة .ومصباحا ينير زوايانا المعتمة .

إننا في وضعنا الراهن نشكل مادة دسمة للمؤامرات الناجحة ، ووسطا جاذبا للتآمر , وملعبا مغريا لمبارياته ... فلا حماية لنا ولا تحصين ، فنحن أشبه بجسد فقد مناعته فصار مرتعا لكل أنواع الأمراض ، فهي تجد فيه بيئة مشجعة ومرتعا خصبا ومقرا آمنا , لذلك فهي تصول فيه وتجول دون أن تتوقع أدنى مقاومة . فضعفنا إذاً هو الضامن لنجاح المؤامرات ، وأمراضنا المزمنة هي التي تغري المتآمرين ، وثغراتنا التي تشبه الأبواب المشرعة ، هي التي تدعوهم إلى الولوج والعبث .

المؤامرة موجودة نعم ، وتنجح غالبا نعم ، ولكن ليس لأن من يتآمرون أذكياء محصنون عن الخطأ ، ولكن لأننا (غثاء كغثاء السيل ) ، ومالم نعترف بأمراضنا ، ونَشْرَع في معالجتها ، فستستمر المؤامرة وسيسعد المتآمرون .


  • 5

   نشر في 08 مارس 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا