لي صديق تربطني به علاقة تعدت علاقات الاشقاء بمراحل فقد نشأنا وفتحنا اعيننا على هذه الدنيا ونحن مــــــع بعضنا. وتدرجنا سويا في مراحل الدراسة المختلفة وأصبحنا كالكتاب المفتوح لبعضنا لدرجة ان كـل منا يخبر الاخر بما يعترض حياته الزوجية الخاصة مـن مطبات. لطلب الإرشاد والاستشارة احيانا ولمجـرد الفضفضة والارتياح النفسي أحيانا كثيرة. وأصبح يننا (كيميكل) وانسجام كامل كنتيجة طبيعية للعشرة الطويلة التي بيننا.

واذكر انه تكلم معي في موضوع خاص جدا لا يتكلم به عادة مــع غير المقربين لبعضهم. وشكى لي تذمر زوجته من عدم إحساسه بها وعــــدم جلوسه معها وانزعاجها من انشغاله عنها وانغماسه في مشاغل الحياة ومعتركها على حسابها وكنت أقـــــــــدم له النصائح والارشادات واعطيه دروس في الرومنسية وكيفية معاملة الانثى ومــــــــــدى تأثرها بالكلمة الرقيقة وبتقديم الهدايا لها مـــن وقت لأخر لتجديد المشاعر واشعالها. وكنت أقول له ان الانثى حتى لو علمت أنك تختلس الكلمات التي تقولها لها مـــن الكتب والمجلات وتيقنت انها ليست من بنات افكارك ومع ذلك تكون سعيدة بها لتشبع  عاطفتها الفطرية التي جبلت عليها.

وجمعتني بصديقي هذا رحلة سفر عرفتني بشخصيته كما لو لم اعرفه من قبل. فعلا السفر سمي بذلك لأنه يسفر (يوضح) اخلاق الرجال. والحمد لله لم أرى في صديق عمري مــــــا يسوء ولكني اكتشفت فيه أمور جديدة لم اعرفها من قبل اثناء عشرتنا الطويلة. فعندما صعدنا الطــــــــائرة وكانت خطوط اجنبية ويكفي ان أقول لك انها كندية لتعرف مقدار الفتنة التي تعرضنا لها طوال هذه الرحلة. ما لفت انتباهي ان المضيفات كـــــــانوا يمارسن عملهن باحترافية عالية فيشعرون كل راكب وكأنه الراكب الوحيد على هذه الطائرة من فرط تفانيهم واهتمامهم به.

بعد تحليق الطائرة وبعـــــــد ان سمح للركاب بحرية الحركة ذهب صديقي للتواليت وتأخر كثيرا قرابة الساعة وخشيت ان يكون قد حدث له مكروه فقمت من مقعدي لأبحث عنه فوجدته يتحدث مع احدى المضيفات الحسناوات. ومـــن شدة ذوبانه في دباديبها لم يشعر بوجــــــــــودي بالقرب منه وكان يقول لها بلغتها: لو ان قوانين الطائرة تسمح كنت سأقوم بمساعدتك ويقـول لها أيضا انه كان طوال عمره كـــــــــان يحسب ان القمر الموجود في هذه الدنيا واحد فقط وبعد ان رآها عرف انه قمران وليس واحــد كما كان يعتقد هذا الكذوب. وكلام غير هذا لا أستطيع قوله لأنه غير صالح للنشر.

انا نفسي كنت سأذوب مــن حلاوة كلامه. المهم عدت الى مقعدي بدون ان يشعر بي وتذكرت الدروس التي كنت أقدمها له في علم الرومنسية والوقت الي قضيته معه وانا انصح واوجه وياء خسارة المجهودات التي كنت ابذلها معه وكأني كنت ابيع الماء في حارة السقايين. اكتشفت مــــن هــذه الواقعة اننا عيال جنية فاذا أردنا شيء وتوفرت لدينا الرغبة يضيع معانا روميو وجولييت وكيلو بترا وانطونيو وقصص الرومنسية العالمية التي ملئت الدنيا ويتغنى بها شرقـــا وغـربا. فنحن وبلا فخر أبناء قيس ابن الملوح ومـــن سلالة مجنون ليلى وفي اجسادنا جينات عنترة فلدينا خبرات عاطفية تراكمية ضاربه في القدم فلا تنقصنا المعرفة ابدا في هذا المجال ومن يقول غير هذا لا يفقه شيئا عنا.

في الأخير أقدم لكل انثى مكسورة الجناح تشكو مــــــــــن زوجها جفاف المشاعر وغلظة الطباع وسـوء المعاملة نصيحة مجانية: لا تحاولي ان تعطيه دروس عاطفية في الاحاسيس والمشاعر فهو يعرف أكثر منكي بكثير ولو تسنى له لألقى فيها محاضرات ولكن حفزي مشاعرة واججيها إذا نجحت في ذلك فسترين منه العجب العجاب والله من وراء القصد.