لأمة خلعت عباءة عزها.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لأمة خلعت عباءة عزها..

لأمة خلعت عبادة عزها..

  نشر في 08 فبراير 2018 .

لأمة خلعت عباءة عزها..

هيام فؤاد ضمرة..

الأمة الاسلامية اليوم ما أن ولجت في نفق الألفية الثالثة حتى تبدلت أحوالها، وصارت في بعض قليل من الأعوام بعد توقيعها معاهدة السلام تحديداً وخضوعها لمطالب عدوها في حالة مزرية من الاستسلام، تعاني الانهيار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بل وتردي الأحوال الأمنية، كأنما هي تعاني حالة اليتم بل السخم واللطم، باتت لا حول لها ولا قوة، أمة عليلة يلتهم الفقر أوصالها وتتساقط كما الناموس برشات بسيطة من المبيد.. أوباتت كأسد يتضور جوعاً وتوهاناً في صحراء قاحلة لا ينتظره فيها إلا الموت، أمة لا تملك ذاتها، ولا قرارها، ولا تملك أن تسيّر أمر اقتصادها وما تملكه في باطن أرضها، أمة فقدت خيارها واختيارها وما عاد بمقدورها امتلاك قرارها، وتمزق سترها، وما عاد لها نصير، ولا حليف، ولا حتى صديق،حتى القريب ما عاد لها قريب، وصار الأخ عدواً لدوداً يتقلب على مزاجية تحركها المصالح، صار الجار غير ذي الجار والعمار ليس بحجم العمار، وترى حكام دول الاسلام يخلعون كرامتهم وإنسانيتهم كما يخلعون ملابسهم، يتهافتون على أبواب أعداء الأمة يتسولون بضع دولات، ويخلعون هيبتهم لأجل أن يتلقوا الدعم في حماية مواقعهم... فأي ابتلاء هذا الذي يجري؟ وأي امتحان عصيب وبين ليلة وضحاها صارت الأمة هدفا للأهوال والخطوب؟

فإيه يا أمة رفعها الله فما ثبتت، وهداها الله بعد ضياع فما ارتدعت، وعمر الله شأنها فأضاعت على الدروب بوصلتها واضطرب عالمها فأظلمت سماءها وانخسفت أرضها وضاع أمنها.

{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}

شتان ما بين مرحلة رعيل الفخر والانتصار ومرحلة انفراط عقد الأمة وتوالي الانكسار، فأي أمة تلك التي يدب فيها النزاعات وسرعان ما تنقسم بين طائفتين كل منها تتصور نفسها على حق وتذم بالأخرى وتتهمها بكل ما تستطيع للسوء سبيلا، وتحصل فيها ما بين الأخوة والأهل الفتن والانشقاقات، وينقلب الجار على الجار، فيما عدوهم ينكث في متنهم يستخرج الكيد منهم وفيهم ويحولون كل ما يمكن إلى خلاف واختلاف وعصبية ليس في حمقها مقام، يسعون إلى إطفاء نور الله في عقول أبناء الأمة وهدم أسس الدين وتشويه صورته بكل الطرق الممكنة، أمة تداعت حين تداعى بها دينها فاختل أمنها وانهار اقتصادها وسط بحر متلاطم من الفتن والتقصير والظلم والاستبداد وسوء الإدارة.

ونقف عند مفترق سوء الإدارة لنشهد عمليات اعتصار دم الشعوب وسحق الفقراء تحت أقدام عنجهيات المخابث، وتكاثر الفساد والتزاحم على المفاسد والأضرار وتدهور الأحوال المعيشية لانسان هذه الدول، بات الكذب والتلفيق سياسة يتدارى خلفها الحكام وأصحاب صنع القرار، وتقف وسائل الاعلام كفيلٍ عجوز يوشك أن ينهار تحت حالة ضعفه وعلل جسده، ففيما الإعلام في الغرب يعد أقوى مؤسسة بالدولة ، كانت مؤسسات إعلام الدول العربية تعطي انطباعا مزرياً عن تدهور الأحوال، وانقلاب النظم وسوء إدارة الخبر والتستر على المسؤولين وانهيار مؤسساتهم.

والانسان العربي انسان منكوب بسوء إدارة أولي أمره، اكتوى بجفاف معيشته واحتضرت انسانيته وأصبح صوته الصارخ يرتطم بجدران صخرية لا ترد إلا صدى صوته، إذ كيف لحاكم أن ينام وشعبه يصرخ من هول ضيق الحال وعدم قدرته أن يؤدي لأسرته متطلباتها الأساسية أمام تغول حكومته على رفع الاسعار واختلاق الضرائب، فمن غير الفاسد يستطيع الالتزام بمتطلبات معيشته دون أن تتأثر ظروفه الاقتصادية، إن تآكل الطبقة الوسطى وضيق الأحوال المعيشية تسير بالمجتمع نحو الانحراف والجريمة وهي أخطر النتائج التي قد تمر على المجتمع، فهل تدرك تلك الحكومات خطورة ما تقبل عليه من فوضى قد تضع لها نهاية غير آمنة، إن ضرب إرادة الشعوب في عرض الحائط لن يجلب الخير للبلاد، فالعباد حين تواجه مأزق التمكن من العيش المستور في أدق الأحوال ستتحول إلى قنبلة موقوتة ستحيل الأرض إلى دمار وسيصبح لصوتها قوة هادرة تزلزل الأرض، فبأي أحجار الشطرنج تلعب هذه الحكومات.

إن مسؤولية صلاح أمة العرب وحكوماتها ليس بالأمر العسير إن وجدت النوايا الحسنة والاخلاص بالعمل، فإخراج هذه الأمة من مأزقها الضيق إلى فسحة الأمل والنجاة هي مسؤولية عامة تدفع الدول إلى دعم بعضها البعض الغنية منها تدعم الفقيرة ماديا ولوجستياً، وعلى المتلقية أن تكون في مستوى الأمانة والشرف فتحسن الإدارة وتوقف هدر المسؤولين وموظفي الدولة، فلا تهن نفسها ومواطنها ولتتقي الله في إنسانها فكثير من الحكام يستخدم وسائلا في تعظيم القضايا ليقبل المواطن المغلوب على أمره بأقل المتوفر حتى لة لم يكون عادلاً وهو ما يتكئ عليه الساسة في فرض القوانين القاسية عليهم، فيوم أن هانت الأمة عند ربها هانت عند أعدائها.. وصدق الفاروق إذ قال " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمن ابتغى العزة من غيره أذله الله" فليحتكم العرب عند خالقهم فبين ظهرانيهم قوة تعادل عشر أضعاف قوة عدوهم في حال أمانتهم مع خالقهم.

فالرئيس الحالي لتركيا سجل أول انتصاراته على الفساد والبدء بالإصلاح منذ أن تسلم مهمة رئاسة بلدية اسطنبول التي كانت ديونها المتراكمة منذ عهد العسكر بالمليارات، فوضع خططه للإصلاح وايقاف الهدر وتغيير الفاسدين ووضع المناسبين في المكان الصحيح، فإذا بالبلدية تسد باب عجزها وتسجل لأول مرة مرابحها وتقدم لمدينة اسطنبول أفضل الخدمات، وها هو بعد أن تسلم زمام الحكم في بلاده يرفع معدل مستوى اقتصادها إلى رقم معجز يصل إلى مستوى المنافسة مع الدول الأوروبية، فحين تلتئم مقاصد الخير والأمانة وحسن الإدارة والعزم على النجاح بالطرق الصحيحة والأمينة تكون النتيجة حصد التفوق والنجاح المكلل بالفخر.. وليس أن تسعى الحكومات بطرق حلها لمشكلة انهيار الاقتصاد الذي قادته بسوء إدارتها على حساب جيب الشعب الفقير وكأن القيادة العليا تزمع أن تجمع ما تستطيع جمعه من المواطنين أنفسهم فيما حقائبها معدة للسفرة الأخيرة بلا عودة تاركين البلد خراباً ما بعده خراب.

هذه الأمة لن يصلحها إلا مخافة الله والعمل فيها بالمعروف والأمانة من خلال ايمان راسخ بالدين ومن ثم بالنفس، ومقاصد تربوية دينية نابعة من الوجدان ومن صميم الضمير الحي، عدا ذلك فالأمر سيظل يراوح مكانه أو يأخذ الخطى مسافات بعيدة للخلف.. وابن خلدون في كتابه أكد على أنّ العرب لن تصلح أحوالهم إلا رسالة دينهم بالمقام الأول ومن ثم صلاح مقاصدهم واعتمادهم حسن النوايا في خطط إصلاحهم وطرائق عملهم فيها، فعند إقواء الوازع الديني والعناية بجيل الشباب واستتباب الأمن النفسي والمعيشي والاجتماعي والاقتصادي فإن الأمة ستصمد في وجه كل المكائد بالوعي الديني والوعي الفكري وصمود الإرادة، وتقوم مسارها مهما اعوج وتنجو بالسلامة من كل دسيسة وكل تخريب، فحين تجتمع القلوب على محبة اهال فإن محبة الانسان تكون نتيجة حتمية لهذا الحال، وحينها يمكن أن تنتصر العزيمة بانتصار الايمان.

0


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 08 فبراير 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا