المرض من المنظور الإسلامي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

المرض من المنظور الإسلامي

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 12 يونيو 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

المرض من المنظور الاسلامي

..هيام فؤاد ضمرة..

ليس من قوة في الوجود قادرة على تغيير ما قدره الله لعباده .. هذه حقيقة واقعة لا يمكن لعاقل أن ينكرها مهما كانت معتقداته أو مفاهيمه ، فالله الذي خلق الإنسان وأبدع فيه خلقه، جعل البدن فيه بمنزلة المادة القابلة للعطب الجزئي أو الكلي.

والجسم عبارة عن مجموعة من الأجهزة العاملة بصورتها الديناميكية كما أرادها خالقها، ولعل من أهم هذه الأجهزة جهاز المناعة خط الدفاع الأول في الجسم يستنفر دفاعاته في وجه أي اعتداء بكتيريا أو فيروس يمكن أن ينال طريقه إلى داخل الجسم ، وقد منَّ الله على جسم الإنسان خاصية ترميم ذاته فيبادر الجرح أو الجزء المحترق من الجلد إلى ترميم ذاته إلى حالة الشفاء التام فيختفي أثر الجرح أو الحرق تماماً، ويصبح بعد زمن أثراً بعد عين، لا تكاد العين تتبين أثره وهي ميزة من رحمات الخالق على عبده.

والجسم كذلك يمتلك خاصية التعويض والإحلال، فالإنسان يمكنه أن يعيش بكفاءه كاملة إذا ما فقد أحد كليتيه، أو جزءاً من معدته/ أو جزءاً من رئته، كما يمكنه الاستغناء عن قطع من شرايين جسمه لتستعمل بدائل لشريين القلب المتضيقة بفعل التجلط، والأمثلة على ذلك كثيرة "وإذا مرضت فهو يشفين" الشعراء 80

ومن فضل الخالق على عبده أن جعل في جسمه جهازاً مهماً، هو الجهاز العصبي، فما أن يتعؤض جزء من الجسم لمهاجمة المرض فإن الاحساس بالألام هو المؤشر الواضح لهذا الهجوم، ومثله ارتفاع الحرارة، مما يسهل أمر التنبه للأذى والسعي لاتخاذ وسائل العلاج المناسبة.

وهناك أمراضاً تسبب معاناة قاسية للإنسان قد تمتد لمدة طويلة قبل أن يصل إلى مرحلة الشفاء.. كما أن هناك أمراضاً وقف الطب حيالها عاجزاً عن ايجاد وسائل لعلاجها ويجابه فيها المريض معاناة قاسية مما جعل العلماء في أنحاء العمورة يضعون جل اهتمامهم بالبحث والاختبار دونما كلل للوصول إلى وسائل ناجحة لعلاجها ومعرفة مسبباتها للوقاية منها.. "خلق الله الداء وجعل لكل داء دواء" فالمعاناة مع مثل هذه الأمراض معروفة ومؤذية للمريض ومن حول المريض لأن مصيرها محتوم ومن الندرة الشفاء منها

ومن المنظور الاسلامي يعتبر المرض اخبارا لصبر المريض المأجور عند الله، واحتساب مدى ثقة المريض بالله الشافي المعافي، وأنه ابتلاء يوجب الصبر والإنابة كونه امتحان الخالق لعبده ومدى تقبله لقضاء الله وقدره، فاختبار الله لمخلوقه أمر يوجبه الايمان الصادق القوي، والاعتراف بقدرات الله في قلب العافية إلى مرض ومعاناة، والاقتداء من خلال التثقيف الصحي ومعرفة المعاناة مع المرض لاتخاذ وسائل الحرص والوقاية.

والمرض هو كذلك رياضة روحية نفسية بدنية حيث قوة الصبر والاحتمال هي مجاهدة للنفس متمكنة في قدرات هذه النفس في مواجهة الألم والإعياء والضعف، وهذه المجاهدة تقتضي من الإنسان الوصول مرتبة الرضى والإيمان بالقدر والايمان بأنه حالة من التكفير عن الذنوب والتخفف من حمولتها.

والمرض كذلك وسيلة تقرب العبد إلى خالقه، قالإنسان بطبيعته مهما كانت قوته الأيمانية في لحظات الضعف والاعتلال يزداد قربا من الخالق وتوجها إليه بطلب العون والرحمة ومناشدته الشفاء وتصبح علاقة المريض بالله أكثر حميمية قرب وشفافية وتذلل فيتوجه إلى الله بالرجاء وطلب الاستجابة بالرحمة والشفاء العاجل وتخفيف الألم عنه وتجاوز الأزمة بسلام مسلما إليه مصيره ومتوكلاً عليه كامل التوكل وفي أعماقه يتولد الأمل بالله مما يمنحه ذلك نفسية صحية عالية الهمة تكون بالغالب سبباً حقيقيا للشفاء في غالبية الحاليات، لأن الحالة النفسية للمريض هي ثلثا العلاج، فالإيمان بالله والثقة به مصدر قوة لا يستهان بها في مجابهة كافة الأمراض..

فالابتلاء بالمرض إشارة من إشارات حبِّ الخالق لعبده، وهذا القول أكده في أحاديثه إلى صحابته خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلوات الله وسلامه عليه بقوله " إذا أحب الله عبداً ابتلاه".. ولعل أعظم المبتلين في التاريخ البشري مما وصلنا خبرهم هو سيدنا أيوب، فكثرة من الأنبياء ابتلاهم الله واختبر صبرهم وإنابتهم نتيجة المرض والأذى والفواجع والضرر والقهر.. فالنبي أيوب قصته مع أصعب أشكال المرض وأعظمه عذابا معروفة سردتها الكتب السماوية، لكنه كان عبدا صابراً حابساً نفسه عن الجزع، مترفعا عن السخط، متقبلا قدره باستكانة المؤمن، متوكلا إلى خالقه مناشدا رحمته، فشفاه الله وأحسن خاتمته.

وابتليّ النبيّ يعقوب بإصابته بالعمى لكثرة بكائه على فقد ابنه المُقرّب إلى نفسه، وعوق أبنائه، فصبر واحتسب إلى أن منَّ الله عليه بالفرج، ورد إليه بصره وولده وأعاد أبنائه إلى رشدهم وتوبتهم والتم شمل أسرته من جديد.. وابتليّ النبي محمد بالكلم بأبنائه الذكور، وكان وقع ذلك عليه أليمًا كأيّ أبٍ رحيم حنون.

بالطبع فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.. ولذلك فإن ابتلاء المؤمن بالمرض مدعاة لشكر الخالق على نعمة العافية، لأن الأصل بالإنسان أن يكون معافياً، إلا أنه غير محصن ضد المرض لأن جسده قابل للمرض وله أسباب مختلفة ومتنوعة منها الجرثومية والفيروسية والأمراض نتيجة سوء التغذية ونقص الفيتامينات وضعف حديد الدم وأمراض التقدم بالعمر ونتيجة سوء الحالة النفسية.. فيقول عليه السلام "" من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده، عنده قةت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا"

وروى أن رجلاً نال من أبي الدرداء سوءاً، فدعا له بما ينقلب عليه.. " قال: اللهم أصح جسمه وأطل عمره وأكثر ماله" وحين سؤل عن معنى ذلك.. قال.: لأن المعافى ينسى نعمة العافية عليه، ولأن المال فتنة الدنيا يبعده عن ربه وإنسانيته، ولأن طول العمر فيها مكاثرة للرصيد الذنوب والضعف والكلل والإرهاق".

وفي الدين اعتبر المرض باباً من أبواب تخفيف العبادات على العبد المريض، فأسقط الخالق عن المريض واجبات العبادةدون أن يسقط الأجر والثواب منه فيقول الله تعالى: " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج" التوبة 91.

وأخيرا فإن العقل البشري هو معجزة الخالق بحد ذاته، وبفضل هذا العقل أنجز العلماء بحوثهم العلمية والتكنولوجية والطبيعية والكيميائة والفيزيائية بكفاءة عالية وتقدم كبير، فأجلى كثيراً الغموض وأبان كثيرا من الحقائق التي كانت متوارية عن الاكتشاف، يمور الإنسان بجهله عن معرفتها وسبر أسرارها، واليوم أمام تواصل جهود العلماء أصبحت الكثير من وسائل العلاج ميسرة بين الدوائية والجراحية والعلاجات النفسية وأدويتها متوفرة تعمل بالكفاءة والفعالية الكافية، وعلى المؤمن الأخذ بالأسباب والسعي نحول توفير العلاج.. تداووا فإن لكل داء دواء إلا السأم، وفي قول آخر.. إلا الهرم" فالتداوي أمر مشروع

واليوم ونحن في بدايات عبور الألفية الثالثة يواجه العالم وإنسانه فيروس الكورونا المتحول المعروف بكوفيد19 وهو يتحول إلى جانحة بكل ما يعتري الحال من مخاطر في سرعة انتشاره وتفشية في المجتمعات، وتأثيراته الخطرة على الرئة وعلى الحياة، ويتحرك علماء الدنيا بكل طاقاتهم وجهودهم وترصد الميزانيات لمختبرات البحث لمواجهته، ومحاولة السيطرة عليه، وإيجاد دواء مضاد له، لوقف انتشاره،

وحتى يتمكن العلماء من تأمينها.. هناك واجبات وشروط يترتب على الناس اتخاذها والإلتزام بها للحد من انتشار الفيروس، والسيطرة عليه، ووقفه نهائيا، وحتى تتوفر الأدوية المعالجة والمضادات الصادة له، فعلى الناس أن يتخذوا حذرهم باتخاذ كافة الوسائل المتاحة بالتباعد واستخدام المعقمات والكمامات والكفوف وعدم التواجد بأماكن الازدحام، واتخاذ كافة الطرق التي تحول دون انتشاره والحد من الإصابة به، كما على الناس تحمل مسؤوليتهم تجاه أنفسهم لحماية أرواحهم دون اللجوء إلى التهور بالتصرفات تحت طائلة المباهاة بالتهاون والعبث وتحدي الحقائق.

فهم بتصرفاتهم هذه.. يعد تصرفهم امتهان لحق الناس بالسلامة، وتعريضهم للمخاطر مما يضعهم تحت طائلة العقوبة الدنيوية حسب القانون الرسمي، والعقوبة الأخروية كون تصرفهم هذا مخالف للشرع في مخالفتهم لحفظ حياة الناس بسلامة وابعاد المخاطر عنهم.

فاحترسوا أيها الناس فغضب الله على المخالفين هو أنكى من غضب البشر، فالدين في أصله الرحمة بالإنسان وحفظ سلامته وكرامته، فكيف إذا كان العبد من المتهورين ومن غير المحترسين في سبيل سلامة الأهل والمجتمع..

والحجر الصحي يعتبر فرض عين على المسلم بتأكيد الحديث الشريف " فِرَّ من المَجذوم فرارَكَ من الأسد" البخاري.. فيما الحجر المجتمعي فقد ورد في الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإن وقع بأرضٍ أنتم فيها فلا تخرجوا منها" فما أروع ما يصلنا من هذا الكنز المتدفق

" قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمن يَملك السمع والأبصار، ومن يُخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحي، ومن يدّبر الأمر، فسيقولون الله، فقل أفلا تتقون" يونس3.. فالإنسان هو من أشد قسوة على أخيه الإنسان، حين تتلبسه الكراهة والمقت والحقد والغل، فتفسد به إنسانيته ويسعي للمبالغة بأذى الغير.. ولأن "خير الناس أنفعهم للناس" رواه الطبراني.. ولأن "لا ضَرر ولا ضِرار" الطبراني، فإن الضار لغيره قصدا أم جهلا حكمه حكم المجرم.. "وقل ربي زدني علماً " والعلم منجاة المؤمن الحريص لأنه أكثر من غيره حرصاً على سلامة الآخرين، حريص عليهم حرصه على نفسه.. فإن هبة المتطوعين لتوصيل المواد العينية والدوائية ومساعدة المتضررين وقت الحجر الصحي العام هي من أخلاقيات أهل الخير الذين جعل الله فيهم وفي مالهم نجدة لمن حاصرته الحاجة الماسة وضاقت به الظروف المعيشية.

ويقول الله تعالى في محكم آياته في حكم الكائدين المدبرين للمكائد الضارة قوله من سورة النحل "أفأمِنَ الذين مَكرُوا السيئات أنْ يَخسِفَ الله بهم الأرضَ، أو يأتيهم العذابُ من حيثِ لا يَشعرُون، أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمُعجزين، أو يأخذهم على تخوفٍ فإن ربكم لرؤوف رحيم" سورة النحل 45-47


  • 4

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 12 يونيو 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

Dallash منذ 4 سنة
كلام سليم ورائع 100%
2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا