كان من توفيق الله أن حضرت مؤتمر الجريمة و المجتمع بدولة الأردن الشقيق ، و عند نهاية أيام الملتقى و بعد أن أنهيت مداخلتي و تسلمت شهادتي ، قررت زيارة مكان تواجد الغار أو المكان الذي فر اليه اصحاب الكهف في المقام، المعجزة الخالدة في القرآن الكريم ، كنت جد متشوقة الى ذلك بل جد فضولية لمعرفة و استكشاف المكان الذي نام فيه الفتية لما هربوا خوفا من بطش الحاكم آنذاك.
فكان أن استقليت سيارة طاكسي مع باحثة دكتورة رفيقة لي من الجزائر ، و انطلقت بنا حتى وصلنا الى المسجد الذي يوجد به مقام الفتية ، فكان أن نزلت من السيارة و توجهت مباشرة الى مدخل جبل الكهف ، سلمت على المرشد بالداخل و قد بدأ يقدم لنا شروحات على المكان و كنت أستمع بنوع من الرهبة و بقشعريرة في جسدي لم أشعر بها و أنا أقف قبل سنوات خلت عند الكعبة المشرفة و الروضة في المدينة منذ سنوات خلت ، كان احساس من نوع آخر لفه صمت طويل مني لدرجة أني لم أكن أقاطع المرشد لأسأله بعض الأسئلة التي كانت تدور في مخيلتي و أنا في بلدي بالجزائر حينما كنت أقرأ سورة الكهف كل جمعة لما تحتويه من معجزات و عبر و مواقف خالدة و ستبقى خالدة بخلود كلام الله عز وجل.
شعور غريب انتابني و أنا أطلب من المرشد أن يدلني على شيئين اثنين ركزت عليهما بصعوبة لهول الموقف الذي عشته لحظة الشرح و هو أن يريني مكان بزوغ الشمس في و مكان ميولها للغروب عبر منفذين في الكهف و الشيء الثاني أن يدلني على الأرضية حتى أقف موضع نوم الفتية على الأرض فكان أن شاهدت بأم عيني المنظر الاول أما الموقف الثاني و أنا اقف على ارضية نام فيها الفتية قبل قرون خلت لم اتدارك لحظتها دموعي و لم أقدر حبسها ، كان الموقف أكبر مني بكثير ، شعرت بزلزال بداخلي هز روحي فانتفضت طمأنينة و فهما اكثر لمعنى الهروب بالايمان حفاظا على الدين.
مكثت طويلا في المكان بداخل الغار في الجبل و الذي كان مضاءا بمصابيح في الداخل لأشعل ضوء هاتفي حيث يشير لي المرشد الى مكان تواجد عظام الفتية بداخل صخرة بها خلفية زجاجية أمامية تمكنت بنور هاتفي ان أرى العظام و التي قيل ان فيها روايات عديدة و مختلفة حيث اهتزت مشاعري فيضا من الرهبة و الخشية من الله كيف آوى الفتية اليه و الى رحمته و أنامهم اكثر من 300 سنة .
و الصورة المرفوقة بالمقال حيث وضعت يدي هنا مكان تواجد عظام الفتية بحسب ما روى لي المرشد..
بعدها مكثت بالداخل بعد أن جبته شبرا شبرا في صمت رهيب مني أين ابتعدت عن رفيقتي و عن المرشد لأخلو بنفسي في نفحات ايمانية فضلت أن اكون لوحدي لحظتها ، حيث خيم علي الصمت أكثر من التساؤل و الكلام لأن الرهبة كانت تجيبني بيني و بين نفسي أن الفرار الى الله في سبيل الحق له دوافعه و له أسبابه و له مسبباته بتوفيق من العلي القدير...
شردت في تفكيري في صمت و لم أفق من شرودي إلا و زميلتي تشير الي بالمغادرة حينما شعرت بتأثري الكبير خاصة أني لم أتكلم و كانت الدموع تنزل بغير توقف و بقيت مدهوشة لعبرة ترسخت بين جدران غار هادىء ..ساكن..أرسلت في مخيلتي ألف حكمة و حكمة و أهمها أن طريق الله شاق ومحفوف بالمكاره و أن الله يحفظ عباده الصالحين و المتقين بأبسط الطرق بعد فرار من الظلم و الجور و معهم كلبهم و بعبرة انبطاحه في مدخل الكهف.
لأغادر الغار و أنا أمسح دمعي بسكينة و رهبة بعثت بداخلي على طمأنينة قوية لقوله تعالى : ففروا الى الله.
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية