رامي عميرة يرفع من شأن انطوائيته - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رامي عميرة يرفع من شأن انطوائيته

  نشر في 01 أكتوبر 2016 .

كُلّما شعرت بالإرهاق والحيرة والتيه أدركتُ أن خيراً عتيقاً قد أطلَّ عليّ، وقد باتَ كما يقول مولانا الرومي "تقترب رغمَ أنّك لم تبتعد". حدثَ أن سافرتً مرات عديدة إلي ذاتي ، فمدن روحي كثيرة وكنت أزور معالمها الدائمة الحاضرة كدليل علي تاريخ لن يُمحَي وأستمع إلي ذكرياتها الممتلئة بأحداث أثّرتُ فيها وتأثرتُ بها وأصبتُ منها خيرها ونالَ منّي شرّها وكل هذا تكوّن نتيجة قرارت شخصية اُتخِذَت في مراحل الحياة المختلفة.

واحدة من أفضل إنجازاتي الصغيرة كانت احتفاظي بــنوتة أدوّن فيها ملاحظاتي لنفسي. وكان هذا في صيف 2010 بعد جلسة إنعزلتُ فيها عن الآخرين وذلك لمراقبتي والإصغاء جيداً لما هو مكنونٌ فيّ. كانت النوتة لا تفارقني أبداً، فهي في جيبي إذا خرجت من المنزل وعلي المكتب إذا جلست أمام الكمبيوتر وعلي وسادتي إذا ذهبت للنوم. كنت أعتبرها مرآة عاكسة أري فيها أهم ما بدرَ مِنّي في نهاري ولَيليِ، ومع كل ورقة أطويها كنت أشعر ببصيرتي تزداد حدّة وأنّ حدسي أصدق. أكثر ما كنت أتمناه هو أن تستمر معي هذه العادة، فبعد مرور ستة أعوام أدركت أنّ هذا الشيء البسيط كان بإمكانه أن يصنع الشيء الكبير.

في العزلة فقط أستطيع أن أجد الاستنارة الروحية وأستلهم أعظم الأفكار وأعمقها، أستطيع أيضاً أن أكون علي اتصال مع الكون لأنه كلّما سأتعمق أكثر في التناغم مع ذاتي سأدرك تماماً أنّي لم أوجد هنا عبثاً وبالتالي سأصل إلي حالة من التناغم مع الكون فأنتقل من الجمود إلي الوجود من خلال المجالسة مرواراً بالمجاورة انتهاءاً بالمجانسة. وأن أكتشف قيمة الصمت لأن عدم قدرتي علي الصمت تعني أنّي لا أسير في طريق الحكمة. فالعزلة لا تؤدي إلي تناغم الجسم مع الطبيعة فحسب، بل تقوي الانتماء إلي وجود أكثر شمولاً. فالعزلة ليست حالة نري فيها بشراً أقل وإن كان يحدث هذا، إنّما هي تجربة نصبح بعدها مستعدين لأن نكون أكثر تعاطفاً مع الآخرين وأكثر فهماً للواقع. فليست كل انطوائية مرضاً نفسياً، ثمة (انطوائية إيجابية) يعرف فيها الإنسان نفسه ويكون متصالح مع العالم وثمة (انطوائية سلبية) يتدرج فيها الإنسان بنظرة سوداوية نحو ذاته ونحو العالم. إن حضورك وتركيزك عليك هو أهم ما في اللحظة، فلن تعبر أي مساحة أو معني مطلقاً إلا إذا عبرتَ منكَ أولاً. ولن تصل لتجالس نفسك أبداً ما دمت تجالس الآخرين في مخيالك وتقارن بين "أنت" و "هم"، فكلّ له كيانٌ فريد وذاكرة مليئة التجارب متعددة الأحاسيس بشكل مختلف وإن تشابهت التفاصيل.

تحاورتُ أنا وإيايّ، قلتُ لنفسي : "يا نفسِ! لقد حارَ أمري ولم أعد أعرف ما أريد. فما أن أسقط إلا ويعقبه سقوط آخر مدوي، فأرجع وأعيد الكرّة مرةً أخري لعلها تصيب هذه المرة. سنين من المحاولات والتخطيط تارة أنجح في الحصول علي مبتغاي وتاراتٍ أخري أخطيء. فأنا أريد الطيران لا السير وأبتغي عمل الأعمار في عُمر وأحث نفسي من كل هجعةِ راحة بفجر تعبٍ جديد. وها أنتي الآن تنزفين ألماً ولا أطيق هذا، فقد حملتكِ ما لا تطيقي!".

فقالت لي نفسي: "كفَّ عنكَ ضميرك المتألم! فأنا لك كالحبيبة الوفية لحبيبها. سأكون ماءك الذي يرويك وهواءك الذي يحييك وضميرك الذي يشفيك والسراج الذي ينير لك الطريق. فليست دنياك ما تجده من غيرك بل ما توجده بنفسك، فإن لم تزد شيئاً علي الدنيا كنت أنت زائداً عليها. إذا سقطت فقم وأكمل طريقك، وإذا سقطت مرة أخري فقم مرة ثانية وإذا سقطت فقم ثالثة ورابعة وخامسة إلي أن يشاء الله أن تَنَلْ ما تريد. فإن لم تَكُن تتعب ولا تزال تتعب، فكيف تُريني أنّك تتقدم ولا تزال تتقدم؟ قُم يا صاحبي! فلكَ شيءٌ في هذا العالم".

إجعل مبدأك كما قال الكاتب : "لِتَكُن غايتك للإنتهاء ابتداء، لستُ علي الدوام ذلك الشخص الذي كُنتُ عليه، فأنا أرحل عنّي في كل مرةٍ أصير فيها إليّ".

فقد سُئِلَ الشاعر محمود درويش: كم تبقّي من طريقك؟ فأجاب: كُلُّه! !

"فإن سُئِلت متي تُنهي رحلتك معك، فأجب لم أعُد من نفسي بَعْد".  



   نشر في 01 أكتوبر 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا