خطورة المعرفة التاريخية تتجلى في أنه أخطر ما استطاعت كيمياء العقل البشري أن تنتجه كما يقول بذلك المفكر الفرنسي "بول فاليري"، فالتاريخ بإمكانه توليد الأحلام والأوهام لدى الشعوب، ويمكن أن يدخلها في حالة سكر وغياب عن الوعي عن الحقيقة، كما يولد لها الذكريات الزائفة والأمجاد المصطنعة، والأهم من هذا انه بإمكان أن يقودها لهذيان العظمة أو حتى هذيان الاضطهاد، ببساطة انه يبرر ما نريد تبريره ولا يعلمنا شيئا دقيقا لأنه يتضمن كل شيء ويقدم الأمثلة عن كل شيء.
فالمغرب هو الشعب الوحيد الذي يحتفل بعيد استقلاله بتاريخ لا علاقة له بعيد الاستقلال، ف18 نونبر غير مرتبطة بأي حدث سياسي أصلا لأنه حتى عودة محمد الخامس من المنفى كانت في 17 نونبر والتي أرادها القصر أن تكون هي تاريخ الاستقلال ، ورغم أن تاريخ الاستقلال الرسمي تم توقيع وثيقته في 2مارس 1956، والتي هي الأخرى يتم الاحتفال بها في 3مارس، بمعنى كل شيء عندنا بالمقلوب.
ربط عيد الاستقلال بحدث عودة محمد الخامس ليس هو مغالطة وتغليط فقط، لكنه يرقى إلى درجة التزوير والتزييف وإعادة تشكيل حقيقة أخرى بما يخدم أيديولوجية السلطة الحاكمة.
فتاريخنا وكتابته ظلت ولا تزال مرتبطة بالشهوة والنزوات التي تحرك المؤرخين، ويتفاقم أمر تزوير وتحريف هذا التاريخ حين تمتزج المعرفة مع السلطة والأيديولوجية، وذلك بما يضمن للثانية إفراز تاريخ –غير مزعج-، أو تاريخ ملغي لدور الأعداء والخصوم لصناعة بطل واحد أوحد هو بالضرورة الملك محمد الخامس.